Friday, October 27, 2017

بغدادي وأربيلي






بغدادي وأربيلي إن حبكما عصيُّ على صروف الزمان

اليوم وبعد أن  إنحسرت أمواج الحر القائض الى غير رجعة ، خرجت الى منتزه أربيل (سامي عبد الرحمن ) هذا الصباح لأستأنف روتين نزهتي  في الخريف والشتاء والربيع .
وما أن دخلت غابات هذا المنتزه حتى غمرتني رائحة الأرض والأعشاب الندية .... الله كم كانت زكية .
أشجار السبحبح ودعت أوراقها وبانت أحمالها كعناقيد من حبات كهرب بهية .
شجيرات الورد على جوانب الطرقات ومشاتل الورد جادت بآخر حملها من الأزهار وبكل الألوان الجميلة وتنسم عطر الجوري حول جنباتها ليسمو بنظر وشم الزائر الى أعالي عوامل المتعة والجمال .
الطيور الساكنة في المنتزه كانت أقل زقزقة وتغريدا وهديلا من أيام الربيع فالخريف يفضي الى سبات والربيع يحتضن فورات البراعم ومناسك الغزل  وبناء الأعشاش وتكوين الأسر.

قصدت نصب الجواهري في أحد أركان المنتزه وتمعنت النظر في عمل الفنان الذي نسج أبا فرات من قطع البرونز بعرقجينه العراقي المعهود، طاف خيالي بصور العراق من الهور الى السهل إلى الصحراء وإلى الجبل وراح لساني ينشد دون وعي :
سلام على هضبات العراق .... وشطَّيه والجرف والمنحنى  
سلام على باسقات النخيل ....  وشمُّ الجبال  تشيع  السنا
إستفقت  على حرارة هطول الدمع مدرارا من مقلتي فمسحته متلفتا حوالَيَ آملا أن لا يكون أحدهم قد إسترق النظر إلي وما أصعب على المرء من دموع الرجال

هربت مستجيرا الى المكان الذي  تصورت أني رأيت فيه ماردة أربيل في مثل هذا الوقت من العام الماضي في هذا المنتزه عند النوافير .
للأسف لم تكن النوافير عاملة هذا اليوم ولم تتشكل لي منها صورة الماردة كما حصل في العام الماضي ومع ذلك ناجيتها  بعد الله خاشعا :
أيتها الماردة المصنوعة من قطارات ماء النوافير ... سيرّي أرتال طيور المنتزه عبر السماء الزرقاء الصافية وحمّليها رسائل الحب من جارة الجبل الى أم البساتين ........

  

Wednesday, October 25, 2017

عند أم الدنيا





بحدود عام 1983 بدء الدفء يدب في عروق العلاقات العراقية المصرية بعد طول جفاء حيث وقع الجانبان على برتكول للتبادل التجاري بينهما عرف بالصفقة المتكافئة أي أن أثمان بيع منتجات أحدهما  الى الآخر تدفع عينا لا نقدا ببضائع يريد الآخر شرائها بسبب أن البلدين يعانيان من شحة شديدة في السيولة فالعراق إستنزفته الحرب العراقية الإيرانية المدمرة ومصر إستنزفتها الحروب العربية الإسرائيلية السابقة بالإضافة الى البركة العالية في وتيرة تكاثر سكانها .

عممت الحكومة العراقية على وزاراتها ومؤسساتها برتكول الصفقة المتكافئة وطلبت منها الإنخراط في إنجاح الصفقة بالتصدير الى مصر والشراء من مصر قدر الإمكان .
أمسكت بالتعميم وذهبت الى رئيس المؤسسة العامة للمعادن التي أعمل فيها مديرا لتصدير الفوسفات وإقترحت عليه أن نقوم بإستطلاع حاجة مصر لمنتجاتنا من الأسمدة  الفوسفاتية والكبريت خصوصا وأن لدي معلومات تشير الى أنها مستورد كبير للمادتين المذكورتين .

حصلت الموافقة على إيفادي ومهندس من الشركة العامة للفوسفات لهذا الغرض.

وبينما كانت الطائرة تطوي الأميال بإتجاه القاهرة كنت أنا أنظر من النافذة وخيالي يسرح مع نجيب محفوظ في حواري وأسواق  خان الخليلي وفي أرياف مصر مع توفيق الحكيم متأسيا في نفس الوقت للقدر المفجع الذي حل  بآمال   شباب أبطال قصة تحت  ظلال الزيزفون مع المنفلوطي وكان هناك بي شوق ولوعة  لكل شيء في مصر التي عشنا بها من خلال كتابها  في ريعان شبابنا .

حطت الطائرة في مطار القاهرة  ، دخلنا بناية المطار ووقفنا في الطابور على  موظف الجوازات .
تصفح الموظف جواز سفري وأوما إلى آخر فجاء وإصطحبني الى مصطبة خارج غرف على جانب الصالة وطلب مني الإنتظار هناك وسرعان ما جاء بصاحبي حيث جلسنا نراقب الأجانب في طابور الجوازات تطمغ جوازاتهم في لمح البصر ويخرجون .
نودي علينا للدخول على ضابط في أحد الغرف ، حيث أشار علينا بالجلوس وبادر بسؤالنا من نحن ولما أتينا إلى مصر . قدمنا أنفسنا وشرحنا الهدف من زيارتنا معززا بنسخة من بروتكول الصفقة المتكافئة .
تصفح الضابط جوازاتنا والفيزا المصرية عل الجوازات وبرتكول الصفقة المتكافئة ثم رفع رأسه سائلا :  حد فيكم كان ضابط جيش أو ضابط شرطة ؟
أجبنا بالنفي بطبيعة الحال .
قال : إتتفضلوا إستريحو برة .

خرجنا وجلسنا على المصطبة لحوالي ساعة أخرى نتصفح وجوه الأجانب المارة من أمام موظفي الجوازات ثم نودي علينا مرة ثانية وكررنا ما طرحناه سابقا وفي النهاية جاء السؤال مرة أخرى : هل كان حد فيكم ضابط جيش أو ضابط شرطة ؟
ولأزيده إطمئنانا هذه المرة قلت له كلانا لم يؤدي الخدمة العسكرية أصلا وشرحت أن فئتنا العمرية خيّرت في حينه بين الخدمة أو دفع بدل نقدي لأن الحكومة كانت في حاجة الى المال ونحن طبعا دفعنا البدل النقدي .
قال مرة أخرى : ممكن تستريحو برة شوية

وجلسنا على المصطبة نتصفح وجوه السياح الأجانب مرة أخرى وبعد حوالي ساعة دخلنا على الضابط ليعيد : حد فيكم كان ضابط جيش والاّضابط شرطة ؟
عندها غلا الدم في عروقي وخرجت العروبة من نافوخي  وصعدت فيه العراقية
قلت له : لو كنا كذلك لما تأخرنا عليك بالجواب فجيشنا فخرنا وتابعت  قد يتذكر جنابكم عبورر الجيش المصري قناة السويس وإقتحامه لخط بارليف قبل عشر سنوات .
هل يعرف جنابكم أن  سربين كاملين  من  طائرات القوة الجوية العراقية كانت في الطلعة الأولى التي دكت حصون خط بارليف وهل تعرف أن سيادة الرئيس محمد حسني مبارك قائد القوة الجوية آنذاك هو الذي طلب شخصيا من العراق هذين السربين من طائرات الهوكر هنتر العراقية لأنها ذات طاقة تدميرية أكبر من طائراتكم ولثقة السيد الرئيس العالية بشجاعة وإقدام ضباطنا ؟
ذهل الضابط   فبادرته قبل أن يتكلم أنا لست عسكري ولكننا في العراق لاننام ومصر أو سوريا تقاتل .
على أية حال هات الجوازات لنعود للعراق ونخبرهم أنكم لا تحبوننا و ضباطنا وإن هذه الصفقة التجارية غير قابلة للتنفيذ .
اعتذر الضابط وإدعى أنها أسئلة روتينية خوفا من الخبراء في المتفجرات وأن مصر بلدكم... والعراق بلدنا .... الخ ....

خارج المطار كان الملحق التجاري في الإنتظار .. إستغرب لطول الوقت و قال:  لولا أنني متأكد من مجيئكم لغادرت المطار .
أخذنا الملحق  الى فندق الماريوت الجميل فنبهته أن مخصصات إيفادنا قد لاتكفي للسكن في هذا الفندق والمعيشة فأجاب وبكل صراحة : أعرف يادوب تكفي ولكني أعرف أنكم بحاجة الى الراحة من طلايب الجيش الشعبي في بغداد وبهذلة مطار القاهرة .
في اليوم التالي قابلنا السفير العراقي وحكينا له بالتفصيل مادار في المطار وطلبنا إثارة الموضوع مع الجانب المصري ..

بعد يومين أو ثلاثة تبخر الحنق الذي شعرنا به جراء بهذلة المطار وعاد الشوق الى زيارة حي الحسين وخان الخليلي والسيدة زينب والبحث عن زقاق المدق .

اليوم وبعد أربعة وثلاثين عاما تقريبا وقبيل إستفتاء الإستقلال في إقليم كوردستان العراق ، عاتبني صديقي الكوردي قائلا : تستكثرون علينا تأسيس دولة كوردية واحدة ولديكم 22  دولة عربية !!
قلت له يا صاحبي : بغض النظر عن كل الجدال القانوني وغيره حول الموضوع أنا لا أعارض إن كانت هذه رغبتكم ومصلحتكم بشرط أن تكون هناك قسمة حق لا قسمة ضيزى بالنسبة للعرب وباقي المكونات  ، وأما موضوع الـ 22 دولة عربية فأود أن أوضح أن آلاف الشبان العرب ماتوا من أجل حلم الدولة العربية الموحدة وإن الأحياء من جيلي أضاعوا شبابهم في النضال من أجل هذا الحلم وإن ما خرجنا به هو هذه الـ 22 دولة . وكما ترى : الدول المتمكنة منها  لم تستقبل نازحينا وهي تعرف أنهم وأطفالهم سيقتحمون البحر هربا من الجحيم وتأكلهم الحيتان وأن المسافر العراقي ومنذ تأسيس هذه الدول آخر من يطمغ جوازه بإذن دخولها من بين جميع مسافري العالم .......


  

Sunday, October 22, 2017

هيبة العقال


في أوائل الثمانينات  كانت المملكة العربية السعودية قد بدأت برنامجا طموحا لدعم الزراعة في المملكة وخصوصا زراعة الحنطة وتصادف ذلك مع بدأ انتاج العراق للاسمدة الفوسفاتية والمركبة في القائم وكان المنتج الرئيسي في القائم هو السماد الفوسفاتي الثلاثي  الـTSP   Tripple Super Phosphate   المناسب جدا لمزارع  الحنطة  التي إنتشرت في طول الصحراء السعودية وعرضها .

كنت قد توليت المسؤولية في ذلك الوقت عن تصدير الأسمدة الفوسفاتية وبعد دراسة الأسواق وجدت أن سوق السعودية أفضل الاسواق بالنسبة للمنتج العراقي لطاقته الإستيعابية العالية بسبب الدعم الحكومي له و لقربه من مصدر الانتاج وإمكانية تسخير النقل المباشر بالشاحنات برا من المعمل  في القائم ومن ثم عبر جديدة عرعر وحتى مخازن ومستودعات التجار والمزارعين في السعودية وعامل النقل البري المباشر هذا أعطانا ميزة سعرية على المنافسة القادمة عبر البحار بحدود عشرين دولار صافي للعراق مع إعطاء سعر تنافسي للمزارع والتاجر السعودي أزاح منافسة الدول المنتجة الأخرى بالكامل من السوق ( تونس والمغرب والولايات المتحدة ) .

بعد الاطلاع على أوضاع السوق وجدت أن اللباس العربي وخصوصا اليشماغ الأحمر  أو الغترة البيضاء والعقال والنعال هو الأكثر تسهيلا للمراجعة مع الشركات والتجار والمؤسسات إذ يحسبوك لأول وهلة من شيوخ البوادي  أو أعيان المدن  مما يفتح المجال مع مكاتب الاستعلامات وأما الأفندية (اللباس الأوربي) من السمران فهؤلاء يتصورهم السعوديون  من المستخدمين العرب والشرق أوسطيون لدى المصالح السعودية  وعلية اشتريت العدة كاملة. 

كانت الطائرة العراقية تحط في مطار جدة الأربعاء وكانت مشاويري في الترويج لبيع الفوسفات ومتابعة عقود شراء اليوريا تأخذني الى الرياض وإلى الدمام على التوالي وكنت بعد أن  يستقر بي المقام في فندق البحر الأحمر بجدة ليلة الأربعاء على الخميس أنزع لباس الأفندية في اليوم التالي  وألبس الغترة البيضاء والعقال والنعال لأتابع سفري .

كانت مخصصات الايفاد تدفع لي بصكوك سفر صادرة عن مصرف الرافدين في بغداد وكانت تصرف بصورة عادية في مكاتب الصيرفة السعودية ولكن بعد أن طالت الحرب العراقية الايرانية بدأ العراق يعاني من العسرة المالية وبدأ مصرف الرافدين يتأخر في سداد التزاماته الخارجية ومنها صكوك المسافرين .

ذات يوم لبست غترتي وعقالي ونعالي وخرجت الى سوق الدمام في المملكة العربية السعودية لتصريف صكوكي . تفاجئت برفض المكاتب تصريفها لأنها حسب تعبيرهم تعطل (أي يتأخر استحصال مبالغها من العراق ) . خرجت حانقا متبرما من ثالث مكتب يرفض التصريف وبسبب غضبي لم ألاحظ إرتفاع  الرصيف عن الشارع فسقطت على طولي في الشارع وسقط عقالي في جانب وطار نعالي في جانب آخر . ساعدني بعض المارة على النهوض وجمع حوائجي وبعد أن  نهضت  وأخذت نفس ذهبت لأعيد المحاولة في مكتب رابع .

قدمت الصكوك الى الموظف وبعد النظر اليها استدعى المسؤول الذي فحصها أيضا وقال لي : يبه هاي تعطل .
قلت له : بسبب هذه الصكوك سقط عقالي وطرحت أرضا في الشارع المقابل .
ارتعب الرجل وقال : هذا لا يمكن عندنا أمان في المملكة ويبدو أنه قد تصور أن اعتداء حصل علي لتسليبي هذه الصكوك اللعينة .
شرحت له ماحدث وهو يرد ببحة بدوية  متميزه : لاه.. لاه ... لاه ...  ثم أمر بصرف الصكوك .

خرجت من المكتب شاكرا له ولعقالي مطمئنا الى أن العرب 


 لا زالت لا تتحمل سقوط العقال .



Thursday, October 12, 2017

خاطرة



لأقصن لساني من أجل العشرة الطيبة


إذا سار المواطن العربي العراقي في أسواق وأزقة أربيل باللباس الأوربي (الأفندي )يخاطبه المواطن الكوردي العراقي بالكوردية إذ ليس هناك ما يوحي بأنه ليس كورديا إلا إذا تعذر عليه الإجابة بالكوردي .

وكذلك الحال بالنسبة للأفندي الكوردي العراقي في أسواق وأزقة  بغداد فهو بإعتقاد الناس عربي ما لم يتعذر عليه الكلام بالعربي .

لا يعرف العربي والكوردي العراقي  مذهب محدثه العربي والكوردي إلا إذا تكلم الأخير عن إيمانه بما كتبه مرتزقة العصور الإسلامية  السالفة  من قصص الفرقة لمآرب شتى.

وعليه  هل يتوجب علينا  أن نقيم حفل قص ألسن جماعي لنعود حيوانات غير ناطقة من أجل العشرة العربية الكوردية السنية الشيعية الطيبة ؟

Tuesday, October 10, 2017

آفة البراري


كنا نصدر السماد الفوسفاتي الثلاثي الـ TSP( Triple Super Phosphate ) المنتج في القائم الى سريلانكا (سيلان سابقا ) حيث يستخدم لتسميد حقول الرز .

وفي رحلة بهذا الشأن في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي كنت و موظف آخرمن المؤسسة العامة للمعادن في كولومبو عاصمة سريلانكا عندما حلت علينا عطلة نهاية الأسبوع  ، كنت دائما في أسفاري أستخدم العطل التي تصادف في السفرة لأغور في أعماق البلدان حيث كنت أعرف أن الفرصة قد لا تتكرر بظروف بلدنا الغير عادية على الدوام .

سألت الفندق في الصباح الباكر عن منطقة زراعة الشاي الذي تشتهر به سريلانكا فأخبرني أنها في منطقة نوراليا  . أقنعت صاحبي بالسفر اليها وإستأجرنا تاكسي لهذا الغرض .

كان الطريق يسير نحو الإرتفاع والجو يأخذ بالبرود كلما إبتعدنا عن كولومبو وكانت الغابات والوهاد غاية في الجمال .

لاح لنا على البعد عندما وصلنا أقدام الجبال العاتية شلال ماء ينزل من إرتفاع هائل . نزلنا من السيارة ووقفنا نتأمله ثم قررنا أن نقترب منه بناء على مقترح مني . سرت أنا  على حصى مجرى ماء يابس وسار صاحبي على كتف المجرى بين الأحراش. بعد نصف المسافة تقريبا من الشلال قررنا العودة بنفس طريقينا .

عندما وصلنا الى الطريق قرب السيارة تفاجأنا بأن صاحبي قد غمر أجزاء جسمه غير المغطاة بالملابس علق مصاص للدم . ولم يكن يشعربه أثناء تعلقه به . وهذا العلق الملعون له ثلاثة أسنان يغرسها في الضحية ومضخة ماصة في رأسه يسحب بها الدم حتى يصل حجمه الى خمسة أو عشرة أضعاف حجمه الأصلي قبيل أن يسقط ويترك الضحية .

إرتعدت فرائصنا وأصابنا الخوف والهلع لأننا سمعنا بوجود علق مصاص للدم في المياه ولم نسع بوجوده في البرية .

سألنا السائق الذي لم يكن يفهم الكلام كثيرا عن وجود مستوصف في المنطقة فأجاب : لا
ماذا نفعل  ؟ هرع السائق الى السيارة وأتي بقطع كارتون وقداحة وكان ينوي أن يوقد نارا ويبدو أن هذا ما كان يفعله القرويون في مثل الحالة إذ تجبر الحرارة والدخان العلق على التقلص فتخرج أسنانه من الجسم ويسقط .

لم يعد لدى صاحبي أي صبر فأخذ قطعة كارتون وبدأ بكنس العلق عن جسمه بها فأخذت قطعة كارتون أخرى وبدأت بمساعدته على إسقاط العلق وكذلك فعل السائق ومن الجدير بالذكر أن الشخص الذي لا يستطيع إزالة العلق لكثرته أو ضعفه قد يودي إمتصاصه لدمه بحياته .

بعد أن تأكدنا أن حالة صاحبي جيدة إستنأنفنا السفرة وصعدنا الجبال العاتية وكان الطريق الذي شقه الإنكليز قبل أكثر من قرن من الزمان ضيقا لا يكاد يكفي لسيارة صغيرة وكانت الوديان سحيقة والطبيعة هائلة فهناك أشجار على جانبي الطريق تتدلى منها أزهار على شكل قناديل هائلة بمختلف الألوان الأزرق والبنفسجي والأصفر والأحمر .

ونحن في هذا الوضع قابلنا فيل أسود هائل لم أر فيل بضخامته أو بسواد جلده  سابقا يجلس على رقبته صبي  سيلاني صغير يبدو بحجم العصفور .

قلت : للسائق توقف جانبا
سأل  صاحبي  :  لماذا
قلت  : لنطلب من الصبي أن يسمح لنا بركوب هذا الفيل .
إنفجر صاحبي كالبركان المكبوت : كذا ... كذا ... كذا ... ألعن والديه الليسافر وياك مرة ثانية إنت ماشفت شصار بيه من وراك .
قلت مستعجبا : رأيتك واجما فقلت لأمزح معك إعذرني ... الله عليك تعذرني ...

مررنا بحقول الشاي ، نباتات الشاي التي تشبه كثيرا نباتات الياس في الحدائق تفترش مدرجات التلال كبساط أخضر على مد البصر وجدير بالذكر أن نبتة الشاي هذه تعمر لسبعين عاما مع الخدمة الجيدة وتستمر بالعطاء حيث تنتشر كل موسم مجموعات الفتيات ليقطفن ذؤابات الشجيرة ( الثلاثة أوراق العليا من أغصانها ) ويذهب القطاف للمعامل لينتج منه الشاي الأخضر والشاي الأسود بأصنافه .

على أية حال وصلنا فندق الملك جورج على ما أتذكر على قمة جبل بعد مرتفعات الشاي وهناك تفاجئنا بأن المدافيء مفتوحة رغم أننا في منطقة الإستواء .
وفي الواقع أن هذه المنطقة تكون درجة الحرارة فيها بمعدل 16 الى 19 درجة مئوية .

كتب وليام دالتون في روايته ( مفقود في سيلان ) عام1861 عن هذه المنطقة ما يأتي :
كم هو ساحر وكم هو مبهج أن يقضي المرء حياته في مثل هذا المكان لو لم يكن  فيه هذا العلق البري ......



Sunday, October 8, 2017

غربان موسكو


   تشغل الدائرة  التجارية التابعة للسفارة العراقية  في موسكو في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي الطابق الأعلى من بناية منفصلة جوار السفارة لها مدخل داخلي عبر حديقة السفارة وباب منفصل على الشارع المتفرع من شارع بوكودينسكايا .

كان مكتبي في تلك الدائرة يشغل ركن الطابق  المطل على حديقة السفارة وكانت هناك أشجار باسقة تصعد من حديقة السفارة لتغطي بأغصانها جانبي غرفة المكتب وتتجاوز المكتب إرتفاعا لتغطي سطحه ضمن سطح البناية .

وكان يحلو لي  في الصباح أن أقف عند ركن المكتب المغطى  من كل الجوانب بالأغصان الكثيفة أحتسي القهوة وأتخيل  أنني في بيت مشيد على شجرة في الأعالي وأتذكر  لعب الأطفال في الغرب  في بيوت شيدها لهم أهلهم على الأشجار الكبيرة .

كان كل شيء جميلا سوى أن جارتي  في الأعالي كانت مستوطنة غربان  بقعاء كبيرة موسكوية . كانت  الغربان تعقد عند الضحى في بعض الأيام إجتماعا جماهيريا لها حيث تتقاطر على الأشجار المحيطة بي وكل منها يأخذ مكانه على غصن أو ذؤابة شجرة وعند إكتمال النصاب كما يبدو يبدأ النعيق والزعيق لساعات وكأنهم في مناقشة أو جدل حاد .

يروى والعهدة على الراوي أن الغربان تعقد محاكمة لمن يجرم من بينها  ويقول البعض أنهم رأوا ما يقرب  من مائتي غراب في أحد الحقول محيطة بغراب في وسطها  ( المتهم ) وهي تنعق وتزعق ويذهب البعض الى أنه في القانون الجنائي الغرباني هناك عقوبة خاصة لكل جريمة ، فمن هدم عشا  عليه أن يعيد بنائه ومن تعرض للأفراخ ينتف ريشه ليحرم من الطيران مثلها أما من عاشر أنثى غراب آخر فعقوبته الإعدام نقرا حتى الموت وهناك الكثير ممن شهد على تنفيذ مثل هذه العقوبة .

أما أنا فلا أستطيع أن أروي غير ما رأيته  أو أصدق ما ذكره الآخرون لأني لم أستطع أن أميز القاضي أو المدعي العام أو المتهم  من بين هذا الجمع  من الغربان بسبب كثافة الأغصان وتباين إرتفاعاتها كما لم أشهد تنفيذ أية عقوبة ولكن يبدو أن  إجتماع الغربان يحدث لأمر ما .....هل هو  بالفعل محاكمة أو جلسة برلمان  أو إجتماع حزبي .... لا أدري  .
بالإضافة الى الإجتماع الجماهيري الموصوف أعلاه رأيت في  بعض الأحيان إثنين من الغربان على الأغصان بصورة متقابلة في  جلسة عتاب أو شجار عال ومرير يرفع كل منهما في سياقها رأسه الى الأعلى ثم يخفضه الى مابين قدميه ناعقا بحرقة  وقد تستمر الجلسة هذه لساعات أيضا مما حملني أن أطلب من العاملة أن تحضر لي من الحديقة بعض الحصى لأكسر به الهرج  عند الحاجة كما يقول البدو .

ذات مرة وأنا خارج من الدائرة سالكا  طريق حديقة السفارة إخترق طائر أبيض جميل مستوطنة الغربان وإذا بغراب كبير يهاجمه  في الجو ويسقطه أرضا بقربي  وينقض عليه نقرا فهرعت إليه وأنقذته من الغراب ووفرت له الطعام والماء في بلكونة شقتي وعدت اليه لأجده قد طار في سبيل حاله .
رويت قصة الغراب والطير لزملائي في السفارة فقال لي أحدهم لا تستغرب فقد إنقض علي غراب من هذه الغربان  في الممر الخلفي وقد تخلصت منه بصعوبة .
كان محدثي أصلع الرأس حيث كان أعلى رأسه خال من الشعر تماما  أحمر قرمزي يحيط به ويسيجه شعرا أسود كث .
قلت له : هل كنت تعتمر قبعة آنذاك ؟
قال     : لا ،  لقد حدث ذلك في الصيف .
قلت : إعذر الغراب فقد تصور أنك تحمل على رأسك  شريحة لحم محمرة ، وهربت .... .

وأخيرا وليس آخرا فإن غربان موسكو دخلت سفر الحرب بين روسيا ونابليون إذ إضطر جنود نابليون الى أكلها عندما تقطعت بهم السبل وحاصرتهم ثلوج موسكو وأهلها .




Tuesday, October 3, 2017

The first dance in 1962 Derby




     Continuing the story of the young Iraqis of Derby .........                                             
The boys began to sneak into Derby town center individually or in pairs at night to look at the shops cafes and people.  They were excited to see young men and beautiful young girls walking down the streets hand in hand, and in a few occasions kissing at street corners.
One night Hama returned totally flushed and exited. You never guess what I did tonight, he said: I put my hand around a beautiful girl's waist, and my cheek on her cheek. He posed to see the reaction of the group who were all ears then bombarded  : she sat on  my lap  !  .

Hassan : Stop, now tell us from the beginning.
Amjad   : Yes, from A to Z.
Hama   : Well, I was walking down the main street when a middle aged man came to me and said his name was Peter and that he has a small social club which he runs as a hobby and asked if I would be interested to have a look.
We climbed a narrow long stair. Peter opened the door and we came to a hall. In one corner there was a gramophone with some discs and around the room there were some chairs.  Soon after our arrival a number of young men and women came and after greeting Peter and paying him an entrance fee of one shilling (The Pound was 20 shillings in those days), stood by waiting for the music. Peter explained that he takes this small fee to cover the rent of the hall .Peter introduced me to the people. He put on a record and came back to me and said watch me I will show you how you can dance.
 He asked one of the girls to help him. She didn't mind.  He took  the girl's  right  hand into his left hand and raised  high,  then placed her right hand on his shoulder  and his right  hand round her waist and said now look at my feet ;  one ,two ,three , … one , two , three .

Her right foot moved  smoothly  with his left foot forward to the left  followed by her left foot and his right to the right in a swing movement then his right  back a little and her left  joins his right  in a stop position before resuming the same movements again  . Peter and the girl went round the hall swaying beautifully with the music then came back to me. Peter with a respectful bow to the girl and another bow to me invited me to dance with the girl.
 I meticulously followed the instructions and after a few stepping over the poor girl's toe nails I got the hang of the dance.  When the music went soft and slow I was a little bit naughty and moved my cheek on to her cheek and held her a little bit tight.

The boys were following in their minds Hama's vivid description as he was at the same time acting the whole episode. So when he stopped they shouted on him to carry on.
Hama said: Very sorry but that’s all.
Falah: No that’s not all. What about the sitting on the lap?
Hama: Ah, yes. They have a play they call musical chairs I think. They place chairs in the middle of the hall back to back. The number of the chairs is less than the number of the   people present. When the music starts everybody go dancing around the chairs. When the music suddenly stops the men rush to secure a chair to sit on, the girls and the remaining men will have no chairs.  The girls are obliged to sit on the lap of the nearest sitting man. The men who failed to grab a chair would only have to wait for a few seconds before the music starts again and everybody joins joyfully dancing around the chairs waiting for a better luck when the music stops.  

Needless to say god old Peter had four new customers the following night and a total of five shillings contribution to the rent from the young Iraqi guests of Derby.




صفقة القرن ة وعظمة القصاب

في أوائل القرن الماضي كان حلاق المحلّة يقوم بأعمال الطبيب إضافة الى وظيفته. ذات يوم أصيبت عين قصاب المحلة بجزيئة فُتات عظمة إستقرت ف...