Monday, August 28, 2017

الإتحاد السوفيتي من عهد لينين الى عهد غورباتشوف







 كنت قد كتبت هذا الموضوع في التسعينات ليكون الفصل الأول لكتاب ذكريات وأحداث سوفيتية إلا أنني قررت  لاحقا  أن يقتصر الكتاب المذكور  على الفترة التي عشتها وشهدت أحداثها فعلا. 
قبل أيام دخلت في مذاكرة عن الإتحاد السوفيتي مع بعض المعارف وأبدوا إستغرابهم وإهتمامهم بما حدثتهم به .
عدت الى هذا الفصل  المختصر كثيرا فوجدت فيه الكثير من الأمور التي قد يهم الأصدقاء معرفتها  مثلا إتفاق ستالين وهتلر في ملحق سري لاتفاقية عدم الإعتداء يتضمن تقاسم المناطق المحيطة بروسيا وألمانيا . وقصة أشجار التفاح في حديقة شقيقة خروتشوف وقصة المعلم والزراعة المغطاة وطرائف بريجينيف وغيرها.
  
الأتحاد السوفيتي من عهد لينين الى عهد غورباتشوف في سطور
المحتويات :
·        تأسيس الإتحاد السوفيتي
·        البناء بدافع العقيدة و/أو الخوف
·        السياسة الغربية تجاه الا تحاد السوفيتي
·        صعود الفاشية في المانيا
·        الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي
·        الحرب الباردة
·        الاقتصاد السوفيتي ما بعد الحرب
·        الأوضاع المعيشية والغذائية للسكان
·        ترسيخ الانقسام الدولي
·        يوم الصواريخ الكوبية
·        انتهاء عهد خروتشوف
·        عهد بريجينيف
·        عهد غورباتشوف  

تشكيل الاتحاد السوفيتي على أساس حق الانتماء الحر وحق الانفصال الحر لجمهورياته .
بعد ان نجحت ثورة اكتوبر الشيوعية في روسيا في 17 اكتوبر حسب التقويم الروسي القديم (7/11/1917) حسب التقويم الميلادي وانتهت الحرب الاهلية و الحرب الروسية اليابانية (1918-1920) و ثبت الشيوعيون اقدامهم و نشروا سوفيتاتهم (مجالسهم  ) في ارجاء الامبراطورية الروسية السابقة عقد مؤتمر عموم السوفيت الاول في موسكو و اعلن  في 30 /12/1922 ان اربعة جمهوريات اشتراكية مستقلة قد اتفقت فيما بينها و أسست اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية الاتحادية  على أسس المساواة والطوعية وهذه الجمهوريات هي جمهورية روسيا السوفيتية الاشتراكية الاتحادية وجمهورية اوكرانيا السوفيتية الاشتراكية وجمهورية بيلاروسيا السوفيتية الاشتراكية وجمهورية القوقاز السوفيتية الاشتراكية وضمن الجمهوريات الاتحادية الاربعة هذه كانت هناك 13 جمهورية ذات استقلال  ذاتي وستة اقاليم ذات استقلال ذاتي.
و في مؤتمر عموم السوفيت الثاني الذي انعقد بتاريخ 31/1 /1924 تمت الصياغة النهائية للافكار اللينينية للاتحاد و تم النص على حق الانتماء الحر للاتحاد و حق الانفصال الحر عنه بالنسبة للجمهوريات الاشتراكية الداخلة فيه و الجمهوريات الاشتراكية التي قد تظهر في المستقبل و في عام 1924 ايضا تشكلت جمهورية اوزبكستان السوفيتية الاشتراكية و جمهورية تركمانستان السوفيتية الاشتراكية و تبعتهما جمهورية طاجكستان السوفيتية الاشتراكية في سنة 1929 و في سنة 1936 تم اعتماد دستور جديد للاتحاد و تم اعتبار كازخستان و قرغيزستان جمهوريات سوفيتية اتحادية كما تم حل جمهورية القوقاز السوفييتة و ادخال اذربيجان و ارمينيا و جورجيا المكونة لها كجمهوريات سوفيتية اتحادية.

البناء بدافع العقيدة و/أو الخوف
اندفع السوفيت فورتأسيس الاتحاد يرممون و يبنون البلاد من خلال عملية تصنيع كبرى قدم فيها العمال الكثير من التضحيات حيث عملوا بدون حساب للوقت و بتجهيزات ناقصة من لوازم ومعدات البناء واللوازم الانسانية وكان بعضهم بدون احذيه و لم تكن الاغذية كافية و عاشوا في الخيام و المعسكرات و مواقع العمل وكان الكثير من المواد الاستهلاكية  الضرورية غير موجودة او مقننة في البلاد .
و نتيجة لهذا الجهد الجبار تم بالفعل تشييد بحدود 1500 مصنع بحلول عام 1930  و تصدرت  الصناعات الثقيلة عملية البناء .
   أما في مجال الزراعة  فقد اعلن المؤتمر الحزبي الخامس عشر المنعقد في كانون اول 1927 نمط المزارع الجماعية و تم تطبيق ذلك بالقوة و دون الاخذ بنظر الاعتبارالظروف المحلية ولم تكن النتائج موفقة كما في مجال الصناعة اذ حدثت مجاعات مريعة في اوكرانيا نتيجة الى هذه السياسة التي لم تقتصر على القضاء على الاقطاعيات الكبيرة بل شملت كذلك الحقول الفردية الصغيرة و المتوسطة و اصبحت المزارع الجماعية والحكومية تغطي 99% من الارض المزروعة .

السياسة الغربية تجاه الاتحاد السوفيتي
  سعت السياسة الغربية في العشرينات الى عزل الاتحاد السوفيتي وقامت كل من  امريكا و بريطانيا و فرنسا بتقديم القروض الى  المانيا لابعادها  عن موسكو و عمدت الدول الغربية الى عقد مؤتمر لوكارنو في سويسرا  والذي شاركت فيه بريطانيا و فرنسا و المانيا و ايطاليا و بلجيكا و تشيكو سلفاكيا و بولونيا  وتم الاعتراف في المؤتمر بحرمة حدود جيران المانيا من الغرب كما تم النظر في موضوع دخول المانيا في عصبة الامم ولم يدعى الاتحاد السوفيتي لهذا المؤتمر. 
في الوقت الذي جنحت فيه السياسة السوفيتية  العلنية في العشرينات الى نزع السلاح و عدم الاعتداء كان هناك وجه اخر لسياستها  في العلاقات مع الدول الاخرى اذ كانت تقيم مؤتمرات الشيوعية العالمية و تحث الفلاحين و العمال و الشيوعيون في الدول الاخرى من خلالها على انهاء البرجوازية و اقامة دولة العمال و الفلاحين و كانت الاضرابات و الاحتجاجات و الاضطرابات التي تحدث في البلدان الاخرى كثيرا ما توحي للشيوعيين السوفيت بقرب تحقيق التغييرالى الشيوعية في العالم

صعود الفاشية في المانيا
       في هذه الاثناء كانت الفاشية في صعود ونمو مضطرد في المانيا ففي الانتخابات البرلمانية للاعوام 1928، 1930  و 1932 كان عدد المصوتين لصالح الفاشية كما يلي : 800 الف ، 6.4 مليون و 11.7 مليون ناخب على التوالي  . ونتيجة لهذه النجاحات الانتخابية كلف الرئيس الالماني هنديبرغ  في كانون الثاني عام 1933 رئيس الحزب النازي  أدولف هتلر بتشكيل الحكومةالالمانية .
     من جانبه قلل ستالين من اهمية الخطر النازي المحدق بالاتحاد السوفيتي الذي تكلم عنه بوخارين مستشهدا بان قيام الفاشية في ايطاليا لم يمنع ايطاليا و الاتحاد السوفيتي من التمتع بافضل العلاقات و خلص الى ان الموضوع لايتعلق بالفاشية بحد ذاتها و لاينبغي ان تتغير سياسة الاتحاد السوفيتي تجاه المانيا .
 اما هتلر فكان من جانبه يدق طبول العداء للبلشفية عاليا لايهام الحلفاء الذين كانوا قد منعوا المانيا من صناعة الطائرات و الدبابات بان اعادة التسلح في المانيا موجه ضد الخطر البلشفي الداهم معلنا ان هدفه الوحيد من اعادة بناء القوة الالمانية هو اعاقة زحف روسيا نحو الغرب  ودعا الى اتحاد اوروبا بهدف ايقاف الروس عند الحدود السوفيتية البولونية في حين كان يقول للمقربين منه انه مجبر على هذه اللعبة و ذلك لتحييد ردود افعال الحلفاء ( دول فرساي ) بمساعدة شبح البلشفية و جعلهم يصدقون ان المانيا اخر معقل في طريق المد الاحمر و ان هذا هو السبيل الوحيد الذي يمكن المانيا اجتياز فترة اعادة التسلح بدون الاصطدام مع الغرب .

 و يبدو ان هتلر كان ناجحا في هذا المضمار فقد اقتصرت ردود فعل الغرب على خروقاته لشروط الحلفاء عل الاحتجاجات و التحذيرات الكلامية و تطابق سعيه لبناء قوة المانيا مع سعي بريطانيا سرا الى توجيه القوة الالمانية الجديدة نحو الاصطدام مع الاتحاد السوفيتي و بعد الاتصالات السرية بين بريطانيا و المانيا وصل الامر ببريطانيا الى تبني هذا الموقف جهارا حيث اعلن بولدوين رئيس وزراء بريطانيا عام 1936 : انه من المعروف لدينا جميعا ان المانيا ترغب في الاندفاع نحو الشرق . . . و اذا ما وصلت الامور في اوروبا الى القتال . . . اريد ان يكون ذلك بين النازيين و الشيوعيين.

في 23 اب 1939 وقع وزير خارجية الاتحاد السوفيتي مولوتوف مع وزير خارجية المانيا ريبنتروب على معاهدة  عدم اعتداء بين المانيا و الاتحاد السوفيتي  و كان لهذه الاتفاقية ملحق سري تم تقسيم مناطق النفوذ بينهما بموجبه اذ وافقت المانيا  على اعتباردول البلطيق (لاتفيا ، ليتوانيا ، استونيا ) و فلندا و الجزء الشرقي من بولونيا و جزء من رومانيا ضمن منطقة نفوذ الاتحاد السوفيتي وعلى اثر هذا الملحق دخل الجيش الاحمر دول البلطيق بحجة حمايتها من الالمان ومن ثم تم اعلانها دولا سوفيتية .
  و بعد اسبوع ايضا من توقيع اتفاقية عدم الاعتداء بين المانيا والاتحاد السوفيتي أعلاه  قامت المانيا بالهجوم على بولونيا و اضطرت فرنسا و بريطانيا  بعد ان خسرتا الحرب السرية في توجيه المانيا ضد الاتحاد السوفيتي الى اعلان الحرب على المانيا وبدأت الحرب العالمية الثانية .
الهجوم الالماني على الاتحاد السوفيتي
  كان ستالين حريصا كل الحرص على التمسك في معاهدة مناطق النفوذ بينه وبين هتلر في ضوء المكاسب التي حققها ورغم التحذيرات التي نقلتها له المخابرات السوفيتية عن الاستعدادات الالمانية للهجوم على الاتحاد السوفيتي وتحذيرات ونستون تشرتشل  له من الهجوم الالماني لم يتزعزع موقفه هذا حتى انه لم يضع القوات السوفيتية في حالة انذار في أي وقت خوفا من ان يفسر الالمان ذلك بنية من جانبه للهجوم عليهم .
   اما هتلر فكان الامر قد بدا يتغير لديه فبعد اجتياحه لباقي دول اوربا وفرنسا رفضت بريطانيا الاستسلام له وكان عليه ان يعبر بحر المانش لاخضاعها ورغم ان المخططون الالمان بدأوا بالعمل على انضاج عملية (اسد البحر )  لاقتحام الجزر البريطانية الا انهم عدلوا  عنها في ضوء مخاوفهم من بأس البحرية البريطانية انذاك وامكانياتها في تدمير أي هجوم بحري من هذا القبيل.
     اعاد هتلر ترتيب خياراته بسبب جمود الموقف عبر بحر المانش  فترك الجزر البريطانية الى القنابل الطائرة ( الـ  V Bombs) أملا في كسر معنوياتها واضعافها وتوجه  بأنظاره نحو الشرق طامعا في أملاك زميله في ادعاء الاشتراكية وشريكه في تقاسم النفوذ سرا جوزيف ستالين   وقد زين له ضعف الجيش السوفيتي هذه الاطماع بسبب قيام ستالين بتصفية قيادات هذا الجيش خلال الفترة من مايس 1937 ولغاية  ايلول1938 (شملت هذه التصفيات جميع قادة الفيالق والفرق وحتى  قادة الالوية) كما شجعه  ضعف  اداء الجيش السوفيتي في  معاركه الاخيرة  مع الفنلنديين على الاعتقاد بسهولة الانتصار وعليه قرر هتلر اضافة الامكانيات والثروات الموجودة في اراضي الاتحاد السوفيتي الى امكانياته اولا ومن ثم العودة الى  موضوع  عبور بحر المانش.
   اعدت القيادة الالمانية  خطتها المعروفة ب(بابروسا) والتي كانت تهدف الى احتلال المراكز السوفيتية الرئيسية والوصول الى خط ارخانكلس ـ فولغا ـ استراخان قبل حلول الشتاء.
      بدا الالمان  هجومهم العاصف على الاتحاد السوفيتي بدون سابق انذار في 22/6/1941 وكان تعداد القوات الالمانية المهاجمة  والحليفة 5.5 مليون عسكري تدعمهم 5000 طائرة و3500 دبابة و47000 قطعة مدفع وهاون في حين كانت القوات السوفيتية المدافعة عن  الحدود تبلغ2.7  مليون عسكري تدعمهم 1500 طائرة و1800دبابة و 37500 قطعة مدفع وهاون مما حقق للقوة المهاجمة تفوق موضعي بحدود 3 الى1.
 كان الهجوم الالماني على ثلاثة  محاور المحور الشمالي باتجاه لينينغراد والاوسط باتجاه موسكو والجنوبي باتجاه اوكرانيا ليتجه بعد ذلك نحو الجنوب الشرقي . وبحلول تشرين  الثاني1941  كان الالمان قد دخلوا كييف (عاصمة اوكرانيا) واوديسا وسيفاستبول و حاصروا لينيغراد  ووصلوا  الى مسافة 25 -30 كم عن  مدينة موسكو وكبدوا القوات السوفيتية خسائر جسيمة  بلغت 5 ملايين جندي مابين قتيل وجريح واسير ودمروا الجزء الاعظم من الطائرات والدبابات السوفيتية.
    كانت اول بوادراحتمال نجاح  الروس في رد الهجوم  الالماني الكاسح قد لاحت في الهجوم المضاد للمدافعين عن موسكو الذي قاده في  قطاع غرب موسكو الجنرالان جوكوف وكونيف وفي جنوبها الغربي المارشال تيموشنكو وقد بدا هذا الهجوم في  اعتى فترات الشتاء بردا وصعيقا (5-6 كانون اول 1941 ) واستمر حتى نيسان 1942 حيث تمكن المدافعون من  دفع الالمان الى مسافة 100-250 كم عن موسكو .
وكان من اهم معارك الحرب العالمية الثانية على الجبهة الروسية معركة تحرير ستالينغراد (فولغاغراد حاليا ) التي خطط لها المارشال جوكوف حيث تمكن الروس من تطويق 330  الف عسكري الماني بين تشرين اول 1942 و2 شباط 1943 ودمروا هذه القوات واخذوا ما تبقى منها في الاسر.
واشهر الحصارات  عنفا وضراوة وبسالة كان حصار لينيغراد (سانكت بيتربورغ حاليا ) الذي استمر 900 يوما .
ومن  اعظم الايام المشهودة  بالنسبة للروس كان يوم 8/5/1945 يوم اقتحام الجيش الاحمر لبرلين  بقيادة المارشال جوكوف و المارشال كونييف والمارشال روكوسوف.

الحرب الباردة
ونتيجة لأختلاف الأيديولوجيات والاطماع بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية نشبت بين الحلفاء ماسميت بالحرب الباردة لتسيطر على مجريات الاحداث لنصف قرن من الزمان     على الارض سعى الجانبان لتوسيع مناطق نفوذهما وكانت كوريا اول صدام خطير بين الحلفاء السابقين اذ تدخلت القوات الامريكية تحت لواء الامم المتحدة  ضد قوات كوريا الشمالية المدعومة بالجيش الصيني على شكل متطوعين ومن جانبها قامت موسكو في توفير  الغطاء الجوي للصين من خلال  ارسال المقاتلات اليها  وهيئت  خمس فرق سوفيتية للتدخل المباشر في كوريا  الا ان المواجهة حلت سلميا بتقسيم كوريا .
   من المواجهات الخطيرة الاخرى التي حدثت كانت في المانيا حيث دمج الحلفاء الغربيون مناطق سيطرتهم في منطقة واحدة انشأت عليها المانيا الغربية وقام السوفيت بالمقابل بأنشاء دولة اخرى هي المانيا الشرقية.

الاقتصاد السوفيتي ما بعد الحرب

وجه ستالين الاقتصاد السوفيتي في السنوات التي تلت الحرب مباشرة نحو التصنيع العسكري و الصناعات الثقيلة و كان يعتقد ان ذلك  سيضمن سلامة البلاد من ناحية و يقود نحو الشيوعية من ناحية اخرى .
اما الصناعات الخفيفة فكان لها ما تبقى من هذا الجهد و رغم انها لم تستطع اشباع الحاجة المحلية فانها انتجت بعض السلع الهامة مثل سيارة بابيدا (النصر) و الموسكوفيج و اجهزة التلفزيون و الراديو .
في الجانب الاستهلاكي و بعد الغاء البطاقة التموينية ثم استبدال العملة القديمة بعملة جديدة كل روبل جديد منها يساوي 10 روبلات قديمة و تم فرض ادخار اجباري بمعدل راتب الى راتب و نصف سنويا . ورغم  تخفيض الاسعار الا ان النقص في القدرة الشرائية الذي نتج عن استبدال العملة و الادخار الاجباري فاق ذلك و كانت النتيجة ان مستوى الاجر الحقيقي عام 1952 كان بحدود 94% من مستواه عام 1928 .
     كان وضع الارياف اقل حظا من اوضاع المدن فبعد الحرب استؤنفت عمليات نزع الملكية الفردية في الاراضي المضافة بعد الحرب الى السلطة السوفيتية مثل جمهوريات البلطيق و مالدوفا و غرب اوكرانيا و بيلا روسيا وكما في سابقتها من الاراضي السوفيتية فقد تم سحق أية مقاومة لهذه العملية و نفي بحدود 900 الف مزارع الى سيبيريا .
   عمت المزارع الجماعية ( التعاونيات و المزارع الحكومية ) ارجاء البلاد  و كانت الحكومة تأخذ الحليب بخمس كلفته من  هذه المزارع و الحبوب بعشر كلفتها و اللحم بـ 1/20 من كلفته و كانت المزارع لاتدفع لاعضائها و العاملين فيها و يعتمد هولاء في معيشتهم على قطع الارض الصغيرة الملحقة ببيوتهم و قد انتهجت الحكومة  ماأسمته بالاحتياطي السري ففرضت على كل شجرة (اثمرت ام لم تثمر ) ضريبة وحددت على كل قطعة او حديقة يستخدمها المزارع لمعيشته دية من اللحم و الحليب والبيض و الصوف الواجب تسليمه للحكومة .
وتم تحديد ساعات العمل للمزارع الجماعية بالمستوى الذي كانت عليه في الثلاثينيات ووضعت عقوبة النفي لمن لا يلتزم بهذ التعليمات .    ذكر نيكيتا خروشوف (الامين العام للحزب الشيوعي المعروف الذي تلا ستالين في الحكم ) انه ذهب ذات يوم الى مسقط رأسه و هناك زار اختا له فوجد عندها حديقة تفاح جميلة فقال لها : لديك اشجار تفاح جميلة.
 قالت: سأقوم بتحطيبها (قطعها ) هذا الربيع
 لماذا ؟ استفسر خروتشوف مستغربا.
ان الضرائب التي ادفعها تجعلها غير مربحة  اجابت شقيقته.
و عندما عاد خروتشوف الى موسكو ذكر لستالين كيف ان الاشجار تقطع في الارياف بسبب الضرائب المفروضة عليها  .... قال له ستالين انك نارودنيك وتعني شعبوي ويقصد بهذا كونه متأثرا بحركة اجتماعية سياسية كانت سائدة بين المثقفين الروس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مضيفا الى ذلك لقد فقدت حسك الطبقي البروليتاري .

عهد نيكيتا خروتشوف
  في 5 اذار 1953 توفى ستالين و اصبح نيكيتا خروتشوف السكرتير الاول للجنة المركزية للحزب في ايلول 1953 ورئيسا لمجلس وزراء الاتحاد السوفيتي في اذار 1958.وكان اول ما قام به حل وزارة الداخلية بتهمة التزييف ووضع المؤسسات الامنية تحت الرقابة الحزبية في موسكو و في الجمهوريات و الاقاليم . و في الاعوام 1956 و1957 اعاد الاعتبار لبعض الاقوام من الذين غضب عليهم ستالين ورحلهم عن ديارهم و اعطاهم  حق اقامة جمهورياتهم  ضمن  الاتحاد السوفيتي عدا الاقلية الالمانية في  الفولغا و تتار القرم حيث تم لهم ذلك في  1964 و 1967 وتجدر الاشارة ان الدولة لم تستطع حتى بعد انحلال الاتحاد السوفيتي حل  مشاكل عودة الكثير من الناس الى مواطنهم بسبب المشاكل مع الاقوام التي قطنوها من بعدهم ومشاكل الحدود بين تلك الكيانات  والذكريات المرة التي حملها المرحلون من الشيشان و الانغوش  وتتار القرم .
وبقرار من مجلس السوفيت الاعلى تم اطلاق سراح ورد اعتبار ( بعد الوفاة ) 16000 مواطن سوفيتي من المضطهدين في عهد ستالين وبعد مؤتمر الحزب في شباط 1956 اطلق سراح الملايين من السجون مما سبب احراجا كبيرا  للسلطة السوفيتية في تفسير سبب حجز هذا  العدد من البشر في المقام الاول .
  في زمن خروشوف دبت الحياة ثانية في الحركة الادبية  وصدرت الكثير من الصحف و المجلات  القديمة والحديثة  وكذلك نشطت الحركة الفنية والموسيقية وزاد انفاق الدولة على العلوم ونشطت البحوث العلمية ونال عدد من العلماء السوفيت جوائز نوبل في الاختصاصات المختلفة .
 حقق الاتحاد السوفيتي في عهد خروشوف انجازات كبيرة في مجال الصناعة والفلك والكهرباء بفضل تركيز الموارد المادية والبشرية مركزيا في قطاعات معينة من النشاطات في عهد ستالين وعهد خروشوف فقد شهد عام 1954 تدشين اول محطة كهربائية ذرية قرب موسكو تبعتها محطات اكبر في سيبريا وفارونش وبيلاروسيا  كما شهد عام 1959 تدشين اول سفينة ذرية كاسرة للثلوج لفتح الطريق امام  قوافل التموين في القطب الشمالي , ودار حول الارض اول قمر صناعي سوفيتي عام 1957 تبعته اول رحلة فضائية مأهولة حول الارض بقيادة يوري غاغارين عام 1961 , تم ايضا خلال نفس الفترة بناء المحطات الهايدروكهربائية (الكهرومائية ) في كوبيشيف وستالينغراد وكاخوف وتم توسيع استخدام النفط والغاز ونقلهما الى البلدان المجاورة  كما تم استبدال القاطرات  البخارية بقاطرات  الديزل والقاطرات الكهربائية . وفي الوقت الذي استمر فيه التقدم في مضمار الصناعات الثقيلة  استمر الانخفاض النسبي في انتاج البضائع الاستهلاكية رغم  زياداته الكمية  وكان خروشوف حسب ماصرح به عام 1955 يعتقد بان التوجه  نحو الصناعات الاستهلاكية وعدم التركيز على الصناعات الثقيلة يعتبر غريبا على روح الماركسية  ويشكل مؤامرة على الحزب . 
  
 كان القطاع الزراعي يحظى باهتمام خاص لدى نيكتا خروشوف  فقد استصدر من خلال اجتماع اللجنة المركزية  للحزب الشيوعي في ايلول عام 1953 قرارات بزيادة الاستثمارات  في القطاع الزراعي الى اكثر من ضعف  ومضاعفة اسعار شراء منتوجات المزارع التعاونية  والحكومية  بعدة اضعاف  والغاء الضرائب غير  المعقولة  على الحدائق وقطع الاراضي الصغيرة الخاصة بالعمال الزراعين واعضاء الجمعيات التعاونية  وكذلك ابطال تجهيز الحكومة  بكمية اجبارية من المنتجات الحيوانية  عن هذه الحدائق والقطع الزراعية.
 شرع خروتشوف ايضا باجراء اصلاحات في مجال  تنظيم الفعاليات الزراعية والاستزراع  الا انها جاءت بنتائج غير مرضية فمثلا تم الغاء محطات الاليات  الزراعية التي كانت المزارع الحكومية والتعاونية تستأجر الاليات التي تحتاجها منها و الزام المزارع الحكومية والتعاونية بشراء تلك الاليات ورغم كون هذه الاليات مستهلكة الى درجة كبيرة فقد تم بيعها باسعار عالية و فترة تسديد قصيرة (سنة و نصف ) مما ادى الى افلاس الكثير من المزارع و غرقها في الديون لتمشية اعمالها 
زراعة الذرة لحل النقص في انتاج اللحم
 من الاخفاقات الكبيرة في تطبيق ارشادات خروتشوف في مجال الزراعة كان ما يعرف بملحمة الذرة اذ بعد زيارة خروتشوف لامريكا عام 1959 و مشاهدته لحقول الذرة هناك جاء ليعرض حلا لمسألة زيادة انتاج اللحم في الاتحاد السوفيتي من خلال تحويل الاراضي المنتجة للاعشاب التي تغذي الحيوانات الى اراضي مزروعة بالذرة على اساس انه اضافة الى اعطاء الذرة لناتج من الحبوب يمكن استغلال الجزء الاخضر منها في نفس الوقت كعلف لزيادة انتاج اللحم واستنادا الى توجيهات خروتشوف تم زرع مساحات شاسعة بالذرة امتدت الى الاجزاء الشمالية من روسيا حتى ارخانكلسك و بطبيعة الحال اخفقت المناطق الشمالية جميعها في انتاج المحصول الجديد واقتصر النجاح على الاجزاء الجنوبية حيث تلائم الحرارة فيها انتاج الذرة و اصبح موضوع خروتشوف و الذرة مصدرا للكثير من النكات والنوادر التي يتداولها الناس .

المعلم والزراعة المغطاة
    اثر الانتقادات الحادة التي وجهها خروتشوف الى العهد الستاليني , شعر الحزب الشيوعي بحدوث تيارات داخلية قوية في المجتمع تناقش اوضاع البلاد و احتمالات و افاق تطورها المستقبلي باتجاهات لا تخدم تقوية سيطرة الحزب على الامور و عليه روج الحزب في اجتماعه الواحد و العشرون عام 1959 نظرية انتصار الاشتراكية الكامل و النهائي و الدخول في مرحلة بناء الشيوعية و تحت ضغط هذه المنطلقات التي تؤكد افضلية الملكية الحكومية على الملكية الخاصة اعيدت الكرة على اصحاب قطع الاراضي الصغيرة والحدائق من عمال في المزارع الحكومية و اعضاء في الجمعيات التعاونية و غيرهم من الموظفين و المتقاعدين و الجنود السابقين و حبذ لهم التخلص من الابقار و الحيوانات الاخرى التي يربونها في فناء دورهم و اراضيهم الصغيرة و بيعها الى المزارع الحكومية و التعاونية ثم جاء  بعد ذلك امرا من بريجنيف الذي كان سكرتيرا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي يقضي بقيام المزارع الحكومية بشراء هذه الحيوانات من العمال و ان تقوم التعاونيات بسلوك نفس النهج بالنسبة لاعضائها .
وبدأت محاربة قيام العمال و المزارعين و غيرهم  ومنعهم من المتاجرة بنتاج قطعهم و من قضايا المحاكم المشهورة التي دار الجدل حول حيثيات الحكم فيها و اجتهدت الصحافة في التنظير لها قضية المعلم المتقاعد في منطقة استراخان عام 1962 .
نجح المعلم المتقاعد بالحصول على قطعتي ارض صغيرتين من الدولة و قام بانشاء بيوت مغطاة للنباتات عليهما مما مكنه من انتاج الخضروات قبل موسمها و شرع ببيع انتاجه الجديد قبل الموسم و بسبب ذلك احيل الى المحكمة بتهمة مزاولة " النشاط الخاص " و حكم عليه بمصادرة امواله و الزامه بمزاولة النشاطات المفيدة للمجتمع .
 من الناس من اعرب عن دعمه لقرار المحكمة و منهم من تساءل لماذا يحكم عليه هكذا لمجرد بيعه ماله الذي لم يسرقه او يغتصبه من احد ؟ و ذكر احد كتاب المقالات القانونية انذاك  : "انه من الصواب القول بانه لم يسرق و لم يغتصب و لكنه اصبح منذ وقت  عبدا للملكية الشخصية واصبحت هذه له المثل الاعلى . ان عدم الحكم عليه قد يؤدي في اوضاع معينة الى سلوكه طرقا اكثر خطورة . . . . ".
أدى التخبط في هذه السياسات بالنتيجة الى هبوط الانتاج الزراعي مما اضطر خروتشوف الى استيراد الحبوب من امريكا كاجراء مؤقت و لكنه استمر لعقود من الزمن  .
الاوضاع المعيشية والغذائية للسكان
من ناحية اخرى جرت محاولات جادة في عهد خروتشوف لتحسين الاوضاع المعاشية و الغذائية للسكان حيث تقرر زيادة الدخل السنوي للعاملين بحدود 6% سنويا كذلك صدر قانون جديد للتقاعد اخذ بنظر الاعتبار زيادة الرواتب التقاعدية المستحقة للعمال و الجنود الى الضعف و قانون اخر اعطى لاعضاء التعاونيات الزراعية رواتب تقاعدية و تم الغاء جميع انواع الاجور بالنسبة للتعليم و نتيجة لهذه الاجراءات زاد استهلاك الفواكه ثلاث مرات وزاد استهلاك منتجات الحليب بنسبة 40% و اللحم بنسبة 50% و زاد استهلاك الاسماك الى الضعفين وخلال السنوات 1956- 1960 جرت هناك حملة ضخمة لبناء المساكن ثم من خلالها اسكان 54 مليون نسمة او ربع السكان في شقق جديدة حيث استلمت العوائل بدلا من غرفة كما في السابق شقة صغيرة مستقلة . و لا زال المشاهد يرى في المدن الروسية عمارات بخمسة طوابق مبنية بالطابوق الاحمر تعود فترة بنائها الى تلك الفترة الا ان تركيز الحملة على الكمية بدلا من النوعية ادى الى تدنى مستوى العمارة بطبيعة الحال و صار الناس يطلقون على هذه  المباني مجازا خروتشوبي نسبة الى خروتشوف وهي كلمة محرفة عن كلمة تروتشوبي التي تعني الاحياء البائسة رغم كون ذلك غير منصف في الواقع .

ترسيخ الانقسام الدولي  
تميزت فترة خروتشوف بترسيخ دعائم انقسام العالم الى  معسكرين المعسكر الاشتراكي و المعسكر الراسمالي وفي عام 1955 تم التوقيع على معاهدة حلف وارشو من قبل جميع الدول الاشتراكية عدا يوغوسلافيا و تم تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الاشتراكية في كافة النشاطات الاقتصادية 
و رغم ان الحزب الشيوعي في مؤتمره العشرون في شباط 1956 قد حدد اتجاهين رئيسين للسياسة الدولية و هما  التعايش السلمي بين الانظمة المختلفة و الاعتراف بتعددية الطرق لتحقيق الاشتراكية بما في ذلك تحقيقها عبر الانتخابات البرلمانية لكنه في نفس الوقت دعم مبدأ "وحدة البروليتاريا العالمية " و تقديم المساعدات المجانية الى الحركات الشيوعية في الدول الاخرى و حركات التحرر العالمية و مع ترسخ المعسكرين و سعيهما المتبادل لبسط نفوذهما داخل و خارج كتلهما لم تجدي السياسات المعلنه عن التعايش السلمي نفعا في تفادي مواجهات عنيفة بين الكتلتين ففي تشرين الثاني 1965 دخلت القوات السوفيتية بودابست لتعيد الشيوعيين السلطة بعد ان كانت الامور قد تطورت هناك الى اعلان خروج هنغاريا من حلف وارشو.
 في خريف نفس العام جاء هجوم بريطانيا و فرنسا و اسرائيل على مصر في حرب السويس و كان لوقوف الاتحاد السوفيتي بقوة الى جانب مصر  و النتيجة التي انتهت اليها الحرب بانسحاب الدول الغازية اثرا كبيرا في رفع مقام الاتحاد السوفيتي لدى الشعوب العربية و الاسلامية و دول العالم الثالث مما سهل له اقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية و عسكرية مع دول الشرق الاوسط ودول العالم الثالث .
كان الموقف حول برلين المقسمة الى اربعة مناطق احتلال ( امريكا , بريطانيا , فرنسا والاتحاد السوفيتي) متفجرا طوال الوقت بين الاتحاد السوفيتي و حليفته المانيا الشرقية من جانب و الدول الغربية الثلاث و حليفتهم المانيا الغربية من الجانب الاخر و في عام 1958 رفض الحلفاء دعوة خروتشوف الى جعل برلين مدينة حرة مما حدى به ان ينشئ في اب 1961 حائط برلين الشهير ليفصل بين الجانبين .

يوم الصواريخ الكوبية
    
 ولعل اخطر وقت كان فيه المعسكران  أقرب الى حدوث مواجهة نووية مدمرة  بينهما كان في خريف عام 1962 فبعد ان نجحت الثورة الكوبية عام 1959 و حالفت المعسكر الاشتراكي أقام الاتحاد السوفيتي في صيف عام 1962 قواعد للصواريخ النووية السوفيتية على جزيرة كوبا وعندما اكتشف الامريكان الامر امر الرئيس جون كنيدي الاساطيل الامريكية بمحاصرة كوبا بالكامل في تشرين اول 1962 و هدد بتدمير قواعد الصواريخ ان لم تسحب فورا من الجزيرة وتم وضع قوات حلف الاطلسي وقوات حلف وارشو بوضع الاستعداد الكامل للقتال و حبس العالم انفاسه لعدة ايام بانتظار النتيجة و بعد اتصالات و مفاوضات مكثفة بين خروتشوف و جون كنيدي امر خروتشوف بسحب الصواريخ مقابل تفاهم مع امريكا لترك كاسترو و الجزيرة الكوبية لشانهما .
انتهاء عهد خروتشوف : -
رغم النتائج الكبيرة التي حصلت في عهد خروتشوف في المجال الصناعي فان اصلاحاته في المجال الزراعي بصورة  خاصة لم تأتي بالنتائج المرجوة و بدأ تأييده يضعف لدى القيادات الحزبية والعسكرية خصوصا و ان قراراته كما يجمع المؤرخون كانت في الغالب ارتجالية فعلى سبيل المثال قام خروتشوف عام 1954 بالحاق جزيرة القرم التي يشكل الروس 80% من سكانها و التي قاتل الروس من اجلها الانكليز و الفرنسين و الالمان و الاتراك باوكرانيا و كاد هذا الاجراء ان يشعل الحرب بين اوكرانيا و روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي اذ ارتفعت الاصوات في روسيا بضرورة اعادة القرم الى روسيا بالاضافة الى مطالبة اهل القرم ذاتها بالعودة. ( لاحقا تم في 19 /5 / 2014 ضم جمهورية القرم الى الاتحاد الروسي مجددا وقد عكر عودتها الى روسيا العلاقات مع أوكرانيا  والدول الغربية والتي لا زالت تطالب بإعادتها الى أوكرانيا ) .
و قام  خروتشوف أيضا بتخفيض القوات السوفيتية من 5.8 مليون جندي  عام 1955 الى 2.5 مليون 1960 و تحملت البحرية جل هذه التخفيضات اذ رأى خروتشوف ( ان السفن الحربية تصلح بلا شك للاستخدام في الزيارات الرسمية  اما من وجهة النظر العسكرية فهي اهداف جيدة للصواريخ ) وبدون استجابة مماثلة من المعسكر الغربي.
وفي عام 1960  طرح خروتشوف على الامم المتحدة مشروعا لنزع السلاح الكامل و تصفية الجيوش و الاساطيل و الاحتفاظ بقوات للشرطة فقط .وعندما لم تعجبه الامور في الامم المتحدة و لجلب انتباه الحضور خلع حذائة و صار يطرق به على المنضدة و شكل هذا في حينه حدث اليوم بالنسبة للصحف و الاذاعات.
كان لخروتشوف شكلا مميزا  ( قصير و اصلع و مدور ) و تصرفات بعيدة عن البروتكول مليئة بالحيوية اثارت اهتمام وحب الشعب الامريكي عند زيارته للولايات المتحدة عام 1959 كما حاز خروتشوف على اعجاب الكثير من العرب لتصريحاته ابان حرب السويس وزياراته اللاحقة لمصر و تصريحاته هناك التي وصلت الى حد اسناد الاتجاه الوحدوي و القومي للشعوب العربية و قد يذكر البعض صوره مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اثناء تجواله في مصر و استلامه هدية الرئيس عبد الناصر المتمثلة باحد الخيول العربية الاصيلة   ساعد خروتشوف  على دعم سلطة الحزب و الدولة على الاقاليم ولكن تصرفاته الارتجالية لم تعطي الطمأنينة اللازمة للقيادات الحزبية لتأمين مستقبلها وفي تشرين اول عام 1964 و بينما كان خروتشوف يتمتع باجازته استدعي الى موسكو ليبلغ بقرار القيادة  السوفيتية بعزله و احالته على التقاعد بتهمة بحجة الرجوع عن المبادئ اللينينية في القيادة الجماعية وتم تعيين ليونيد بريجنيف سكرتيرا اولا للحزب الشيوعي وكوسيجن رئيسا للوزراء و انستاس ميكويان رئيسا لمجلس السوفيت الاعلى والذي تم استبداله لاحقا عام 1965 ببودغورني .

عهد بريجينيف :

يمكن ان تعزى حالة زيادة وتائر الانتاج المتميزة الاولى الى استغلال القيادة السوفيتية لميزات الاتحاد السوفيتي الاساسية المتمثلة بسعة الارض والثروات الطبيعية فمثلا خلال السبعينيات زاد انتاج النفط في غرب سيبيريا وحدها بعشرة اضعاف وزاد انتاج الغاز بـ 16 مرة و تزامنت هذه الزيادات الكبيرة في الانتاج مع الارتفاع الحاد في اسعار النفط و الوقود الذي اعقب الحرب العربية الاسرائيلية عام 1973 مما در على البلاد مقادير هائلة من العملة الصعبة و خلق الانطباع  بامكانية الاستعاضة عن التقدم التكنولوجي اللازم لتحسين الكفاءة الانتاجية كما و نوعا بشراء المنتجات المتقدمة من الغرب بالدولارات النفطية ففي حين اتجه  الغرب نحو رفع المحتوى التقني في سلعه وخدماته ووظف التقنيات المكتسبة من البحوث المختلفة في خدمة الانتاج كان الاتحاد السوفيتي يسابق الغرب من خلال زيادة استغلال موارده الطبيعية و ثرواته البشرية مما وسع في هوة التقدم بين الجانبين  .
 ومع نفاذ المصادر الطبيعية  للثروة و زيادة تكاليف الاضافات الجديدة منها ، تباطأت وتائر النمو  ، على سبيل المثال بعد استغلال المناجم والحقول النفطية القريبة  بدأ استغلال مناجم وحقول ابعد وفي ظروف طبيعية اصعب بكلفة اكبر  ومع  استيعاب الموارد البشرية المتوفرة في الانتاج اصبح نفاذ الموارد البشرية كابحا ومحددا على التوسع في الانتاج  ونتيجة لما تقدم وصلت البلاد الى حالة من الركود وتوقف النمو .
 الا ان مظاهر الركود الاقتصادي افقدت القطار السوفيتي زخمه وتعجيله قبل ان يلحق بغريمه الامريكي اذ تلاشت وتائر النمو الاقتصادي وبدأت المدخولات الحقيقية للمواطنين بالنزول الفعلي و نشأت في المجتمع السوفيتي ممارسات كثيرة خاطئة من بينها زيادة الادمان على المسكرات والتهرب من العمل سواء بتركه لساعات طويلة  او اختراع  الاسباب  لعدم  المواصلة في العمل  فبالالضافة الى فترة الغداء  المقرة رسميا  والمقدسة لدى العمال  اخترعت فترات استراحة اخرى مثل استراحة التدخين  (بريكور بريريف ) والتسوق وغيرها ومما عززالشعور العام بالاحباط  كبر وقلة فعالية بريجنيف في اواخر ايامه و وفاة المنظر الرئيسي للاشتراكية المتطورة سوسلوف في كانون ثاني 1982 ليتبعه بريجنيف نفسه في تشرين الثاني من نفس العام .
     من جانبها  عمدت قيادة الحزب الشيوعي الى زيادة امتيازاتها  ووسائل رفاهها  وتامين متطلباتها  . ولعل الطرائف و النكات السياسية  من الامور التي  تعطي بعض الدلالة  عن الاوضاع انذاك ويتفق الروس على ان اواخرايام عهد بريجنيف كانت زاخرة  بالنتاجات  في هذا المجال  نورد بعضها لكسر الجمود في هذا الموضوع على الاقل .
     ·  قامت والدة بريجنيف بزيارة  لولدها ليونيد في موسكو وبعد اطلاعها على احواله المعاشية  والمادية  قالت له عند توديعه لها قبيل  مغادرتها  الى قريتها  اوصيك يا بني ان لاتتفوه لاحد بكلمة  عما تملك فقد يسمع الشيوعيون بذلك ويقومون بتأميمك. 
  ·  بسبب النسيان وعدم التركيز يحيط  المساعدون ببريجنيف في المناسبات ويدسون  في جيبه   القصاصات  عما يتوجب ان يقوله في تلك المناسبات. خرج بريجينيف ذات يوم لاستقبال الرئيس البلغاري ، اخرج قصاصة من جيبه وحملق في وجه الرجل مخاطبا : عزيزتي انديرا غاندي ..........
  ·  وقف بريجينيف امام  الجماهير واللاعبين وعدسات التلفزيون ليفتتح الدورة الاولومبية في الملعب الضخم الذي بناه السوفيت لهذا الغرض في شارع الاولومبياد في موسكو  فتح الملف الذي تم اعداده له لهذا الغرض وبدأ خطابه : أو .أو .أو .أو.    ( كان يقرأ دوائرالشعار الاولومبي المرسوم على رأس الصفحة ).
  ·  سأل بريجينيف رئيس وزرائه كوسيجن عن رأيه في اعلان حرية السفر الى الخارج للمواطنين السوفيت. فكرة جيدة ياسيادة الرئيس اجاب كوسيجن لكنني اخشى ان نبقى  ان وانت وحدنا في هذه البلاد !!!
على اية حال توفى ليونيد بريجنيف في تشرين الثاني عام 1982  وخلفه في منصب الامين العام للحزب  يوري اندروبوف  الذي توفى هو الاخر في شباط 1984  ليخلفه تشرينينكو  ويموت بعد فترة قصيرة  في اذار 1985 .
 بدا يوري اندروبوف عهده بحملة على مااسماه بالفساد في الطبقات العليا من المجتمع وحمله اخرى ضد التسيب وعدم الانضباط  والالتزام بالدوام الرسمي  وانزل مفارز تستوقف المارة اثناء ساعات العمل لتسألهم عن سبب عدم وجودهم في اعمالهم  وبطبيعة الحال لم يكن لهذا الاجراءات سوى اثرمحدود ولفترة محدودة .

عهد غورباتشوف
 لقد تزامنت هذه الفترة بالضبط مع فترة انتقال ميخائيل سيرغيفيتش غورباتشوف من عمله كسكرتير اول للحزب الشيوعي في منطقة سفاستابول الى عمله الجديد في موسكو كسكرتير للجنة المركزية للحزب الشيوعي و بالتحديد في عام 1978 ويبدوا ان غورباتشوف وخلال هذه الفترة  تولدت لديه قناعة غير معلنه بوجود ازمة ولدعم أفكاره عمل على  إيجاد اعوان له من الشيوعيون الاصغر سنا من شيوخ الحزب  امثال ريجكوف و شفرنازة وياكوفلف ليفوز بمنصب الامين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي.
بدأ عهد غورباتشوف في اذار 1985 بتوليه منصبب الامين العام للحزب الشيوعي السوفيتي وفي ضوء الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية السائدة في الاتحاد السوفيتي وسنة  الامناء العامون السابقون للحزب لم يكن من غير الطبيعي او  المستغرب ان يبدأ غورباتشوف  عهده بالمناداة بضرورة الاصلاح شأنه شأن خروتشوف و بريجينيف و اندروبوف وكما فعل سلفه خروتشوف كان سند هذه المناداة دائما العودة الى اللينينية بايراد المقاطع المناسبة من اقوال لينين و افعاله وكما فعل اندروبوف عندما بدأ عهده بمحاربة التسيب وتاركي العمل و التسكع بدأ غورباتشوف عهده بمحاربة تعاطي المسكرات و الادمان عليها  .

 تكملة عهد غورباتشوف الذي عاصرناه بالكامل تقريبا موجودة في كتابنا ذكريات وأحداث سوفيتية المنشور في مدونتنا هذه .

No comments:

Post a Comment

صفقة القرن ة وعظمة القصاب

في أوائل القرن الماضي كان حلاق المحلّة يقوم بأعمال الطبيب إضافة الى وظيفته. ذات يوم أصيبت عين قصاب المحلة بجزيئة فُتات عظمة إستقرت ف...