في أوائل الثمانينات كانت المملكة العربية السعودية قد بدأت برنامجا
طموحا لدعم الزراعة في المملكة وخصوصا زراعة الحنطة وتصادف ذلك مع بدأ انتاج
العراق للاسمدة الفوسفاتية والمركبة في القائم وكان المنتج الرئيسي في القائم هو السماد
الفوسفاتي الثلاثي الـTSP Tripple Super Phosphate المناسب جدا لمزارع الحنطة التي إنتشرت في طول الصحراء السعودية وعرضها .
كنت قد توليت المسؤولية في ذلك
الوقت عن تصدير الأسمدة الفوسفاتية وبعد دراسة الأسواق وجدت أن سوق السعودية أفضل
الاسواق بالنسبة للمنتج العراقي لطاقته الإستيعابية العالية بسبب الدعم الحكومي له
و لقربه من مصدر الانتاج وإمكانية تسخير النقل المباشر بالشاحنات برا من المعمل في القائم ومن ثم عبر جديدة عرعر وحتى مخازن
ومستودعات التجار والمزارعين في السعودية وعامل النقل البري المباشر هذا أعطانا ميزة سعرية على المنافسة القادمة عبر البحار
بحدود عشرين دولار صافي للعراق مع إعطاء سعر تنافسي للمزارع والتاجر السعودي أزاح
منافسة الدول المنتجة الأخرى بالكامل من السوق ( تونس والمغرب والولايات المتحدة )
.
بعد الاطلاع على أوضاع السوق وجدت
أن اللباس العربي وخصوصا اليشماغ الأحمر أو الغترة البيضاء والعقال والنعال هو الأكثر
تسهيلا للمراجعة مع الشركات والتجار والمؤسسات إذ يحسبوك لأول وهلة من شيوخ
البوادي أو أعيان المدن مما يفتح المجال مع مكاتب الاستعلامات وأما
الأفندية (اللباس الأوربي) من السمران فهؤلاء يتصورهم السعوديون من المستخدمين العرب والشرق أوسطيون لدى المصالح
السعودية وعلية اشتريت العدة كاملة.
كانت
الطائرة العراقية تحط في مطار جدة الأربعاء وكانت مشاويري في الترويج لبيع
الفوسفات ومتابعة عقود شراء اليوريا تأخذني الى الرياض وإلى الدمام على التوالي
وكنت بعد أن يستقر بي المقام في فندق البحر الأحمر بجدة ليلة الأربعاء على الخميس أنزع
لباس الأفندية في اليوم التالي وألبس الغترة
البيضاء والعقال والنعال لأتابع سفري .
كانت مخصصات الايفاد تدفع لي بصكوك
سفر صادرة عن مصرف الرافدين في بغداد وكانت تصرف بصورة عادية في مكاتب الصيرفة
السعودية ولكن بعد أن طالت الحرب العراقية الايرانية بدأ العراق يعاني من العسرة
المالية وبدأ مصرف الرافدين يتأخر في سداد التزاماته الخارجية ومنها صكوك
المسافرين .
ذات يوم لبست غترتي وعقالي ونعالي وخرجت الى سوق الدمام في المملكة
العربية السعودية لتصريف صكوكي . تفاجئت برفض المكاتب تصريفها لأنها حسب تعبيرهم
تعطل (أي يتأخر استحصال مبالغها من العراق ) . خرجت حانقا متبرما من ثالث مكتب
يرفض التصريف وبسبب غضبي لم ألاحظ إرتفاع الرصيف
عن الشارع فسقطت على طولي في الشارع وسقط عقالي في جانب وطار نعالي في جانب آخر .
ساعدني بعض المارة على النهوض وجمع حوائجي وبعد أن نهضت وأخذت نفس ذهبت لأعيد
المحاولة في مكتب رابع .
قدمت الصكوك الى الموظف وبعد النظر
اليها استدعى المسؤول الذي فحصها أيضا وقال لي : يبه هاي تعطل .
قلت له : بسبب هذه الصكوك سقط عقالي
وطرحت أرضا في الشارع المقابل .
ارتعب الرجل وقال : هذا لا يمكن
عندنا أمان في المملكة ويبدو أنه قد تصور أن اعتداء حصل علي لتسليبي هذه الصكوك
اللعينة .
شرحت له ماحدث وهو يرد ببحة
بدوية متميزه : لاه.. لاه ... لاه
... ثم أمر بصرف الصكوك .
خرجت من المكتب شاكرا له ولعقالي مطمئنا الى أن
العرب
لا زالت لا تتحمل سقوط العقال .
No comments:
Post a Comment