كنا نصدر السماد الفوسفاتي الثلاثي الـ TSP( Triple Super Phosphate ) المنتج في القائم الى سريلانكا (سيلان سابقا ) حيث يستخدم لتسميد
حقول الرز .
وفي رحلة بهذا الشأن في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي كنت و موظف آخرمن المؤسسة العامة للمعادن في كولومبو عاصمة سريلانكا عندما حلت علينا عطلة نهاية الأسبوع ، كنت دائما في أسفاري أستخدم العطل التي تصادف في السفرة لأغور في أعماق البلدان حيث كنت أعرف أن الفرصة قد لا تتكرر بظروف بلدنا الغير عادية على الدوام .
سألت الفندق في الصباح الباكر عن منطقة زراعة الشاي الذي تشتهر به سريلانكا فأخبرني أنها في منطقة نوراليا . أقنعت صاحبي بالسفر اليها وإستأجرنا تاكسي لهذا الغرض .
كان الطريق يسير نحو الإرتفاع والجو يأخذ بالبرود كلما إبتعدنا عن كولومبو وكانت الغابات والوهاد غاية في الجمال .
لاح لنا على البعد عندما وصلنا أقدام الجبال العاتية شلال ماء ينزل من إرتفاع هائل . نزلنا من السيارة ووقفنا نتأمله ثم قررنا أن نقترب منه بناء على مقترح مني . سرت أنا على حصى مجرى ماء يابس وسار صاحبي على كتف المجرى بين الأحراش. بعد نصف المسافة تقريبا من الشلال قررنا العودة بنفس طريقينا .
عندما وصلنا الى الطريق قرب السيارة تفاجأنا بأن صاحبي قد غمر أجزاء جسمه غير المغطاة بالملابس علق مصاص للدم . ولم يكن يشعربه أثناء تعلقه به . وهذا العلق الملعون له ثلاثة أسنان يغرسها في الضحية ومضخة ماصة في رأسه يسحب بها الدم حتى يصل حجمه الى خمسة أو عشرة أضعاف حجمه الأصلي قبيل أن يسقط ويترك الضحية .
إرتعدت فرائصنا وأصابنا الخوف والهلع لأننا سمعنا بوجود علق مصاص للدم في المياه ولم نسع بوجوده في البرية .
سألنا السائق الذي لم يكن يفهم الكلام كثيرا عن وجود مستوصف في المنطقة فأجاب : لا
ماذا نفعل ؟ هرع
السائق الى السيارة وأتي بقطع كارتون وقداحة وكان ينوي أن يوقد نارا ويبدو أن هذا
ما كان يفعله القرويون في مثل الحالة إذ تجبر الحرارة والدخان العلق على التقلص
فتخرج أسنانه من الجسم ويسقط .
لم يعد لدى صاحبي أي صبر فأخذ قطعة كارتون وبدأ بكنس العلق عن جسمه بها فأخذت قطعة كارتون أخرى وبدأت بمساعدته على إسقاط العلق وكذلك فعل السائق ومن الجدير بالذكر أن الشخص الذي لا يستطيع إزالة العلق لكثرته أو ضعفه قد يودي إمتصاصه لدمه بحياته .
بعد أن تأكدنا أن حالة صاحبي جيدة إستنأنفنا السفرة وصعدنا الجبال العاتية وكان الطريق الذي شقه الإنكليز قبل أكثر من قرن من الزمان ضيقا لا يكاد يكفي لسيارة صغيرة وكانت الوديان سحيقة والطبيعة هائلة فهناك أشجار على جانبي الطريق تتدلى منها أزهار على شكل قناديل هائلة بمختلف الألوان الأزرق والبنفسجي والأصفر والأحمر .
ونحن في هذا الوضع قابلنا فيل أسود هائل لم أر فيل بضخامته أو بسواد جلده سابقا يجلس على رقبته صبي سيلاني صغير يبدو بحجم العصفور .
قلت : للسائق توقف جانبا
سأل صاحبي : لماذا
قلت : لنطلب من
الصبي أن يسمح لنا بركوب هذا الفيل .
إنفجر صاحبي كالبركان المكبوت : كذا ... كذا ... كذا ...
ألعن والديه الليسافر وياك مرة ثانية إنت ماشفت شصار بيه من وراك .
قلت مستعجبا : رأيتك واجما فقلت لأمزح معك إعذرني ... الله
عليك تعذرني ...
مررنا بحقول الشاي ، نباتات الشاي التي تشبه كثيرا نباتات الياس في الحدائق تفترش مدرجات التلال كبساط أخضر على مد البصر وجدير بالذكر أن نبتة الشاي هذه تعمر لسبعين عاما مع الخدمة الجيدة وتستمر بالعطاء حيث تنتشر كل موسم مجموعات الفتيات ليقطفن ذؤابات الشجيرة ( الثلاثة أوراق العليا من أغصانها ) ويذهب القطاف للمعامل لينتج منه الشاي الأخضر والشاي الأسود بأصنافه .
على أية حال وصلنا فندق الملك جورج على ما أتذكر على قمة جبل بعد مرتفعات الشاي وهناك تفاجئنا بأن المدافيء مفتوحة رغم أننا في منطقة الإستواء .
وفي الواقع أن هذه المنطقة تكون درجة الحرارة فيها بمعدل
16 الى 19 درجة مئوية .
كتب وليام دالتون في روايته ( مفقود في سيلان ) عام1861 عن هذه المنطقة ما يأتي :
كم هو ساحر وكم هو مبهج أن يقضي المرء حياته في مثل هذا
المكان لو لم يكن فيه هذا العلق البري
......
No comments:
Post a Comment