Thursday, January 4, 2018

موسكو والثلوج




في معظم السنوات التي قضيتها في موسكو كانت ندف الثلج تبدأ بالسقوط في 10/10وكانت
إزاحة الثلج من الشوارع العامة تقوم بها آليات متخصصة على مدار الساعة وتبدأ الشاحنات الكبيرة  بذر الملح على سطح الشارع  لتأتي بعدها  الشفلات لإزاحة الثلج  من وسط الطريق الى جانبيه مشكلة كتوفاً عالية من الثلج على جانبي الشارع ليبدأ دور شاحنات مجهزة بآلة خلفية تقوم بأخذ الثلج  من الجوانب ودفعه على حزام ناقل الى ظهر الشاحنة. وهناك آلة مستقلة عن الشاحنة يستأنس العراقيون بمراقبتها في العمل وتتألف من ما يشبه الذراعين في قاعدتها و يرتبط بها حزام ناقل يتم وضعها أمام كتف الثلج الذي شكلته الشفلات على جانب الطريق وعندما تباشر العمل تصطف الشحنات خلفها لتملأ بالثلج وبسرعة كبيرة. ان حركة الذراعين في قاعدة هذه الآلة تشبه بالضبط حركة ذراعي إنسان  يجمع شيئا ما الى حضنه بنشاط وبدون كلل .

لا يشعر الشخص عادة  بالبرد عند الخروج من السكن في حالة عدم وجود تيار هواء لفترة لا بأس بها . يقال والعهدة على  الروسي أن رجلاً وقف في الثلج لفترة  , مد يده ليحك أذنه فتكسر صيوانها المتجمد بيده . ويحدث أيضاً أن يستريح مخمور ليلاً على أريكة أو دكة في شارع أو حديقة في طريقه الى البيت ويتجمد دون أن يدري لتتكفل أمره البلدية في الصباح .

ومهما يكن فإن من المؤكد عند السكن في موسكو  هو أن تتزحلق وتسقط ولو مرة واحدة في الشتاء والغريب في الأمر أنك إن إنتبهت الى الزحلقة فالإحتمال كبير ان تخرج منها بكسر في اليد التي تتوقى السقوط بها لا إراديا وإن لم تنتبه يكون سقوطك عفويا على إمتداد طولك وتنفذ من الحادث بإنفراط ما كنت تحمله من أمور .
ذات مرة ركنت السيارة قرب مكان السكن وخرجت ساهياً أحمل كيسي تسوق كبيرين من اللبن والعصائر والأمور الأخرى وعند باب العمارة وجدت نفسي مطروحا بالكامل على الرصيف  وقد تدفق اللبن الأبيض من حولي وتكسرت زجاجات العصائر وتسابق في الجري على الجليد كل كروي في الكيسين .
وفي مرة أخرى زار السفارة وفد من العراق وبعد الخروج والسير بضع خطوات حاول أحدهم أن يتفادى السقوط ولكنه سقط وكسر يده وقضى إيفاده ويده في التجبير مربوطة بعنقه .   

أما السيارات في الشتاء فمع الصباح تكون السيارة قد تغطت بطبقة ثلج بسمك عشرة الى ثلاثين سنتيمترا وكنا نكلف أحد عمال عمارة السكن ليزيل الثلج كل صباح لقاء أجر حيث يخرج العامل الى السيارات ومعه معدات القشط وسطل ماء حار. وفي أيام البرد القارص يتجمد التنفس داخل السيارة رغم فتح التدفئة مما يتطلب قشـطه أيـضا وفي درجـة حـرارة (ــ 32 مئوية) التي بلغتها الحرارة في أحد الأيام لم أتمكن من إدخال المفتاح في باب السيارة مما اقتضى ان يجيء العامل بمذيب خاص لهذا الغرض.

أما الطائرات فهناك مرشات متخصصة لتخليصها من الثلج وآليات لتنظيف المدارج ومع ذلك تحدث أحيانا أن تغطي أرض المطار طبقة  من الثلج الصلب يطلق عليها "الثلج الأسود " وفي هذه الحالة  يمنع هبوط الطائرات حتى إزالته.

كنت عائدا ذات مرة بالطائرة من مدينة أوديسا على البحر الأسود في أوكرانيا الى موسكو. شعرت  مع باقي الركاب أن الطائرة حامت  حول مطار موسكو ولم تهبط وعادت الى الارتفاع وبعد أن تأخر موعد هبوط الطائرة في مطار موسكو لأكثر من ساعة بدون توضيح الأسباب أصاب الركاب القلق الشديد والهلع وبدأوا يتساءلون و يرجون المضيفات أن يفصحن عن الخلل الذي أصاب الطائرة وهل سيتمكن الطيار من الهبوط بسلام ومرت ساعة أو بضع ساعة أخرى عصيبة على الجميع  حتى أعلن الكابتن أننا سنهبط قريبا في مطار كييف لأن مطار موسكو كان مغطى بالثلج الأسود ولا يمكن ثبات الهبوط عليه.

وفيما عدا الصعوبات التي يخلقها الثلج للروس فانه مجلبة للخير اذ أنهم يهنئون بعضهم  بعضا بأول سقوط للثلج (سبيرفم سنيغم) ويقولون ثلج كثير خبز كثير (منوغا سنيغا منوغا خلييبا) إذ يحرث الروس الأرض وينشرون بذور الحنطة قبل سقوط الثلج وتبقى البذور راقدة تحت الثلج حتى الربيع لتنبت مع ذوبانه وكلما كانت طبقة الثلج عميقة كلما كان المحصول أوفر.

يقدم الثلج لزائر موسكو في الشتاء بعض التعويض عن الإزعاجات التي قد يواجهها اذ لا يمكن ان ينسى الزائر منظر أغصان الأشجار المغلفة بالثلج وتلألأ بلورات الثلج إن صفا الجو وسمح للشمس بالظهور وقد يشهد الزائر العربي سراب الصيف في الزمهرير كما شهد سراب الماء في البيداء ففي الأيام المشمسة الصافية القارصة البرد حين يعكس الثلج أشعة الشمس ويوحي بالدفأ والحرارة لمن ينظر من خلف شبابيك الغرف الدافئة في أيام يسميها الروس بالصيف الهندي .







No comments:

Post a Comment

صفقة القرن ة وعظمة القصاب

في أوائل القرن الماضي كان حلاق المحلّة يقوم بأعمال الطبيب إضافة الى وظيفته. ذات يوم أصيبت عين قصاب المحلة بجزيئة فُتات عظمة إستقرت ف...