في أواخر أيام الحرب العراقية الإيرانية عززت الحكومة العراقية بعثاتها الدبلوماسية في شتى أنحاء العالم ومنها موسكو أيام حكم غورباتشوف لأنها توقعت كما يبدو قرب نهاية الحرب وانتصارها وبروز العراق كقوة جديدة في العالم .
كان كل المبعوثين الى الخارج صغيرهم وكبيرهم يدخلون دورة الحصانة الأمنية
التي تنظمها الجهات الأمنية حيث يتلقون محاضرات وتوصيات حول أمنهم وأمن السفارة و الدولة
.
من التوصيات الأمنية العالقة في الذهن : إذا حدث وأن فاجئك رجل
مخابرات أجنبي بصورة أخذوها لك في وضع جنسي فاضح ، تماسك نفسك وتصنع الإبتسام
وأشكره على الصورة واطلب منه بكل جدية إذا كانت لديه نسخ أخرى يعطيك إياها للتفاخر
بها والتوزيع على أصدقائك .
ومن التوصيات التي يؤكدون أن تخبر أفراد العائلة
المصاحبة لك بها وتؤكد على مراعاتها هو أن مساكن أفراد البعثات الدبلوماسية مزروعة
بأجهزة التنصت وعليه لا كلام في شؤون السفارة والدولة العراقية في البيت وكذلك لا كلام في شؤون الدولة المضيفة.
إلتحق بالسفارة العراقية في موسكو في تلك الأيام أحد
الموظفين وكالعادة قامت السفارة بإسكانه في شقة حصلت عليها من جهاز الخدمات
الدبلوماسية السوفيتية (الأوبديكا) .
مضت الأيام وكان هذا الموظف يجلس مع بعض الموظفين
والمستخدمين المحليين العراقيين خارج أوقات الدوام الرسمي يتداولون نوادر ما حصل لهم أو شهدوه في العمل في موسكو .
ذكر أحد المستخدمين المحليين أنه بعيد إفتتاح السفارة قبل عقدين من
الزمان كان هناك إثنان من المراتب في الملحقية العسكرية رفضا أن يأكلا من اللحم
المتوفر في الأسواق لكونه غير مذبوح على الطريقة الاسلامية ولما طال فيهما الوقت على هذه الحال ساعدهما أحد
المقيمين في الحصول على خروف حي صغير وبعد تكميمه ووضعه في كيس كبير أدخلاه الى
شقة أحدهما في العمارة الدبلوماسية خلسة وقررا ذبحه في البلكونة .
كان الوقت دافئاً أواخر الربيع ففتح النزيل في الشقة
أسفل تلك الشقة باب بلكونته وخرج ليدخن سيكارة في البلكونة ودهش لتقاطر سائل أحمر من البلكونة
فوقه ، مسك قطرة منه وفحصها بين إبهامه وسبابته فأيقن أنها دم
فأصابه الهلع وخرج هاربأ لا يلوي على شيء الى المصعد ومنه الى الطابق الأرضي ليخبر مسؤول
العمارة (الديجورني ) أن دبلوماسياً يذبح في الشقة أعلى ِشقته . طار جريش
الديجورني كما يقال من الصدمة فإتصل بالشرطة والإسعاف وجميع الجهات الأمنية فإشتعلت
المنطقة بأصوات العربات المتخصصة بكل صنوفها وتم تطويق العمارة وإقتحامها ....
ليجدوا حسّوني بكل برود يسلخ بالخروف ...
من جانبه أفشى الموظف الجديد سره للحضور بعد أن أمنهم .
قال : أن زوجتي كانت تغني دائماً وهي تنظف أثاث الشقة ـــ
نحبك والله نحبك يا صدام نحبك . لم أُعر إهتماماً للموضوع سيَّما وأن الشعب
العراقي في هذه الأيام يغرد بهذه الأغنية من زاخو الى الفاو .
ثم إستطرد قائلاً : ذات يوم وبينما كنت جالساً في الهول جاءت
زوجتي بكرسي وطاولة إعتلتهما لتنظف الثريا ، والثريا في شققنا كما تعرفون عبارة عن أربعة
مصابيح مخفي كل منها داخل وعاء طويل من الزجاج الملون مفتوح قرب نهايته بمقطع مائل
نحو الأسفل . كانت تمد أصابعها مع وصلة قماش لتنظف سطح المصابيح وداخل وعاء الغلاف
وبعد أن تنتهي من ذلك ترفع ذراع الوعاء والمصباح وتردد في فتحة وعاء الغلاف كلنا
نحب غورباتشوف .
إستغربت والحديث للموظف المذكور من هذا الروتين وبعد أن
فرغَت من التنظيف ونزَلت ، مسكت بيدها وإقتدتها خارج الشقة وسألتها في الكوريدور :
بالله نحبك والله نحبك يا صدام نحبك
ماشي بس شنو موضوع كلنا نحب غورباتشوف ؟
قالت بإمتعاض : اترك إيدي .. الشقة مال الحكومة الروسية
واللي سلَّمها إلَك السفارة العراقية شدرسوك بدورة الحصانة الأمنية ؟. زين بربك
ذولة إثنينهم مازرعوها سمّاعات (أجهزة
تنصت ) . آني بس أريد أستر على وظيفتك اللي ماحصلنا عليها إلّا بطلعان الروح .
No comments:
Post a Comment