كنت أتردد على مصر في النصف الأول من ثمانينات القرن
الماضي كمدير تصدير في المؤسسة العامة للمعادن للمتابعة بعد أن نجحت المؤسسة في حينه بعقد صفقات لتزويد مصر بسماد السوبر
فوسفات الثلاثي المنتج في القائم والكبريت المنجمي المنتج في المشراق .
كانت مخصصات الإيفاد شحيحة في حينه لا تسمح بالسكن في فنادق
الدرجة الأولى وعليه كان لابد من السكن في
فنادق الدرجة الرابعة والثالثة وبطبيعة الحال عندما تزور مصر ليست أجور الفنادق
وحدها ما تحسب حسابه حيث لا يمكنك أن تغادر خان الخليلي دون إقتناء تحفيّة أو حاجة
للبيت كما لا يمكنك العزوف عن زيارة المعالم الدينية والأثرية المنتشرة في القاهرة وحولها
كسيدنا الحسين والسيدة زينب والأزهر والإهرامات وقصور محمد على و غيرها . وقد تظلم نفسك
كثيرا إن لم ترصد في ميزانيتك تكاليف سهرة واحدة على الأقل في شارع الهرم وبالأخص
ملهى صحارى سيتي الذي كانت سياسته آنذاك
أن يستمر الغناء وتقديم المنوعات حتى يغادر آخر زبون طوعاً المكان حتى وإن كان ذلك مع مطلع الفجر .
سكنت في أول سفرة متابعة في فندق الكوزموبوليتان وسط
القاهرة وكان ذي طراز قديم إيطالي متميز
يطل على بنايات القاهرة الخديوية ذات الطراز المعماري الفرنسي وأسواقها وكان
الفندق تعبان بعض الشيْ آنذاك ومن الأمور الشاخصة في ذاكرتي عنه هو رؤيتي اليومية لأحد الممثلين الكبار يجلس فيه عند المساء يحتسي
شرابه بصمت ووحدانية . وكذلك عدم وجود تلفزيون في الغرف وإن أردت تلفزيون يكون إيجاره إضافة الى إيجار الغرفة .
سكنت في السفرة الثانية فندق النيل على نهر النيل وأثناء
وجودي فيه قررت أن أستطلع باقي الفنادق على الشط . إستوقفتني بناية فندق على الشط
حملت إسم شَبرد في أعلاها بالإنكليزية وشبرد هو لقب شائع في إنكلترا كما أنه يعني
راعي الغنم وفي لحظة عابرة مع نسمات نيل
الصباح عبرت البحار إلى الريف الانكليزي ومرابع الشباب في مروج داربيشير وكَنت .
تحركت لأدخل و أتفقد
الفندق . كانت أجوره مرتفعة بعض الشيء عن النيل والكوزموبوليتان ولكنها كانت
متطابقة مع تخصيصات السكن في مخصصات الإيفاد .
وتجدر الإشارة الى
أن الفندق كان مملوكاً منذ عام 1945 من
قبل الإنكليزي صموئيل شبَرد الذي يحمل إسمه ونزل فيه المدعوون لحفل إفتتاح قناة
السويس وعلى رأسهم ملكة فرنسا أوجيني كما نزل فيه الملك فيصل الأول ملك العراق
ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل والرئيس الامريكي ثيودور روزفلت وقد إحترق بالكامل عام 1952 وأعادت الحكومة
المصرية الذي أصبح في ملكيتها بعد الثورة بنائه في المكان الحالي محافظة على إسمه
ومتشبثتاً بتاريخه .
نزلت الفندق في السفرة الثالثة وبعد يومين تقريباً
إعترضني وأنا أعود الى الغرفة أحد موظفي الفندق بالملابس المصرية التقليدية
(الجلبية ) ــــ
وقال : لا
مؤاخذة يا بيه هو كان في حد نايم معاك إمبارح ؟
أجبت : لا وليش تسأل ؟
قال : عندما رحنا
نلم الفراش (الذي هو بالأساس ــــــ دبل بَد
) كان باين أن نايم في شخصين ؟
قلت : إمنين يحسرة .... كنت تعبان وأتقلب .. وتركته .
إستمر هذا الموظف في التودد الزائد لي فخمَّنت أنه يطمع
في إكرامية كبيرة و أن إدعائه بمبيت شخص آخر كان طلقة في ظلام كما يقول المثل
الإنكليزي فإن أصابت ( صحّت ) لا بد من إكرامه للستر على ما إكتشف وإن لم تصب يشغل عليَّ التملق.
ذات صباح إنتظرني في الطابق ونزل معي في المصعد .
سألني : متى تسافر يابيه ؟
قلت : بعد أيام
.
قال : أنا مسافر
البلد بكره يابيه . مش حا ألحق على معروفك يابيه ؟
كان حدسي صحيحا إذن حول موضوع الشخص الثاني في الفراش !!
سألته : الفندق حكومي وأنت موظف حكومي ؟
أجاب : أيوة يابيه
قلت : أنا موظف
حكومي أيضا .والحكومة تدفع لي على قد المبيت و غداي وعشاي فلافل يا عزيزي .
وخرجت من المصعد ملوحاً له ومردداً : مع ألف سلامة . تصل البلد بالسلامة .
No comments:
Post a Comment