في شتاء عام 1962 كنت في مدينة داربي وسط انكلترا أدرس
التحضيرية في Derby and District College of Technology وكانت تلك هي سنتي الأولى في المدينة والبلاد
عموما .كنت قد إستأجرت غرفة في أحد البيوت يقدم فيها رب البيت للساكنين طعام
الفطور والعشاء .
قبيل عيد الميلاد بحوالي أسبوع أبلغنا رب البيت بأنه
سيغلق البيت لفترة العيد كان باقي الساكنين من أهل البلد ولم يشكل ذلك مشكلة لهم
حيث أنهم في المدينة لغرض العمل و يعودون الى أهاليهم لقضاء فترة العيد . أما بالنسبة
لي كان علي أن أجد مكانا آخر أقضي فيه العيد وكنت لا زلت جديداً على المدينة
والبلد .
في هذه الأثناء ولحسن الصدف أعلمت إدارة الكلية صفنا
المؤلف من أجانب معظمهم من العراقيين أن عائلة انكليزية ترغب في استضافة أحد الطلبة الأجانب لفترة العيد . كانت هناك
منافسة على الدعوة ولكني أقنعت زملائي بتركها لي بسبب اغلاق سكني لفترة العيد .
رتبت الكلية الأمر وصبيحة يوم ما يسمى Christmas Eve. أو عشية الميلاد وقفت سيارة نوع أوستن كيمبرج أمام بيت سكني حيث
كنت أنتظر وخرج منها رجل ستيني وقور و شاب
يصغرني قليلا في العمر فارق الشعر كثيفه .
بادرني الرجل : هل أنت السيد الحميري ؟ (أصول المخاطبة
الانكليزية - السيد ثم اللقب ).
أجبت : نعم
أنا الدكتور كولدسميث وهذا ابني جون رد علي قائلا .
وبعد المصافحة داعاني الى ركوب السيارة ومن ثم صعد هو
وجون .
خرجنا قليلا من المدينة الى منطقة ألستري في ريف داربيشر . دخلنا في طريق ترتفع
جوانبه بعض الشيء . صعدنا ممرا قصيرا في جانبه الأيمن الى بيت جميل رابض على هضبة
. وقفت السيارة أمام البيت فخرجت سيدة بشعر أبيض يعكس تقدم العمر . نزلنا من
السيارة حيث قدمنا الدكتور كولدسميث :
الدكتورة كولدسميث مضيفاً مع إبتسامة هي أيضاً طبيبة
ولكنها ربة بيت الآن .
السيد الحميري ضيفنا من الكلية.
بعد المصافحة دخلنا البيت حيث أخذني جون الى الطابق
الأول لأرى غرفتي . كانت الغرفة جميلة وكل شيء فيها يبدو جديدا ونظيفا ومما لفت نظري بياض شراشف السرير عكس شراشف سريري في سكني .
قبل أن نجلس للفطور هرعنا الى نافذة غرفة الطعام الكبيرة
لنراقب ندف الثلج تسقط على الأحراش والممر وكان أفراد العائلة يقولون لبعضهم البعض
أنظر.. أنظر انه عيد ميلاد أبيض ِA white Christmas وعادة ما يتفاءل الناس خيراً بعيد الميلاد
"الأبيض".
بعد الفطور طلبت الدكتورة الإذن للذهاب الى المطبخ
للتعامل مع الديك الرومي وحلوى عيد الميلاد Christmas Pudding وملحقات
غداء العيد بينما نهض الدكتور وقال علي أن أذهب لأتفقد المستوصفات ودور الرعاية في
المحافظة . إلتفت الي وقال : لماذا لا تذهب معي فإنها ستكون جولة جميلة في ريف
داربيشر
بكل سرور كان جوابي على الفور .
بعد أن أنهى الدكتور جولته على المنشآت الصحية في ريف داربيشر أصبحنا في واقع
الحال في قصبة ماتلوك .
قال الدكتور تلك مرتفعات إبراهام Ebraham Hights وهناك في أعلاها كهف كبير تتدلى من سقفه قلائد
بلورية من المعادن تكونت عبر ألاف السنين، إن كنت تشعر بالنشاط تعال لنصعد على مهل
اليها . رحبت بالفكرة وصعدنا نسير الهوينا فوق ندف الثلج المستقرة على أعشاب
الطريق حتى بلغنا هدفنا .
جلسنا الى مائدة الغداء ، الدكتور والدكتورة ابنتهما
الكبيرة آن وزوجها بيتر ، إبنتهما الأصغر لوسي وزوجها طالب الدكتوراه في الكيمياء ، أخت الدكتورة التي جاءت من لندن لتشارك العيد مع العائلة ـ إبنهما جون وأنا . توسط
الديك الرومي المائدة مع خليط بيضوي نباتي طبخته الدكتورة لأختها لكونها نباتية
والتي تسميه الأخيرة ديكها الرومي . نهض الدكتور وأمسك بيد سكين حادة كبيرة
وبالأخري شوكة كبيرة بسنين وبدأ بتشريح الديك وكانت الصحون تمر عبر الدكتورة
وأولهما صحني بناءً على توجيه الدكتور ليضع فيها شرائح الديك ويضيف اليها البطاطا
المحمرة والحشوة والملفوف ثم تعود الى منطلقها . وبعد أن إكتمل تزويد الصحون
بالمقسوم ساد السكون على المائدة ليقول الدكتور كلمة الشكر لله Grace .
بعد الغداء تحركنا الى غرفة الجلوس المفتوحة على الطعام
وكانت شجرة عيد الميلاد المزينة بالأضوية على جانب منها وتحتها الهدايا المغلفة
والمعنونة لأصحابها والتي يُزعَم أن بابا نؤيل قد جلبها من بلاد الثلوج على ظهر
زحافة تجرها الغزلان وأدخلها البيت في الليل من خلال المدخنة .
جلست الدكتورة الى جانب الشجرة وبدأت تسحب الهدايا
وتنادي على أصحابها ليقوموا بفتحها وشكر مرسلها وكان لي نصيب منها ولازلت أحتفظ
بلفاف Scarf هدية أخت الدكتورة بعد كل هذه
السنين .
بطبيعة الحال قضيت جميع أعياد الميلاد اللاحقة مع هذه العائلة في سنين بقائي في داربي
ملاحظة : كنت قد تذكرت تلك العائلة في عيد الميلاد السابق 2016 ونشرت هذا الموضوع باللغة الإنكليزية وبعد نشره قررت البحث عنها عبر الانترنيت ونجحت في الوصول الى جون حيث كتبت له التفاصيل في مسج وطلبت الإتصال إن كان هو المقصود وبعد ساعتين دق الموبايل ليقول أنا جون كيفك ياهادي . للأسف كان كل من ذكرتهم من العائلة قد انتقل الى العالم الآخر عدا جون وأخته آن (لا غرابة حيث كان الإتصال بعد 55 عاما ) وجون الآن متقاعد وله إبن مهندس كومبيوتر وبنت دكتورة جراحة إستشارية .
ملاحظة : كنت قد تذكرت تلك العائلة في عيد الميلاد السابق 2016 ونشرت هذا الموضوع باللغة الإنكليزية وبعد نشره قررت البحث عنها عبر الانترنيت ونجحت في الوصول الى جون حيث كتبت له التفاصيل في مسج وطلبت الإتصال إن كان هو المقصود وبعد ساعتين دق الموبايل ليقول أنا جون كيفك ياهادي . للأسف كان كل من ذكرتهم من العائلة قد انتقل الى العالم الآخر عدا جون وأخته آن (لا غرابة حيث كان الإتصال بعد 55 عاما ) وجون الآن متقاعد وله إبن مهندس كومبيوتر وبنت دكتورة جراحة إستشارية .
أعاد الله العيد على المسيحين والناس الطيبين في العراق
والعالم بالسلام والمحبة