توجهت بنا السيارات الى خارج موسكو في طريق ضيق تتراكم الثلوج على جانبيه حتى وصلنا الى مطار صغير في الغابة. كانت هناك طائرة بحجم متوسط واقفة ، يبدو وكأنها قديمة و مهملة.
شعرت بالخوف قبل الصعود اذ لاحظت ان إطاراتها بيضاء ممسوحة بالكامل. على أية حال صعدت مع الوفد (كان من واجبي كمستشار تجاري في السفارة أن أنضم الى الوفود التجارية ) . كانت هناك مفاجئات أخرى اذ وجدنا طاولة عادية في المقدمة وكراسي مطاعم بلاستيكية عادية غير مثبتة وعلى الجانب كانت هناك قنفة خشبية عادية وعند المؤخرة كان هناك سطل كبير, استغرب الوفد من وضع الطائرة وعليه سألت قائد الطائرة عنها فقال : ان هذه الطائر نوع ياك 40 كانت تستخدم لتدريب المظليين في السابق وأما الأثاث الذي تراه فقد جلبناه خصيصا لرحلتكم.
سألت الكابتن : أين المرافق؟
قال : الرحلة قصيرة ولكن اذا احتجتم فهناك سطل يمكن
استخدامه مشيرا اليه باصبعه.
أبلغت الوفد بما أخبرني به الكابتن مضيفا اليه ، من كان منكم خائفا ان تسقط بنا "هذي الحديثة " (هذه الشابة بالعراقية الدارجة) فهناك بطل فودكا لدى الكابتن يساعدكم في الارتفاع فوق الغيوم بعد السقوط.
أدار الكابتن المحرك وبدأ الاقلاع ومسكنا ببعضنا البعض
لتفادي الإنزلاق وما أن إستتب الامر حتى شعر الوفد بالإطمئنان وبدأت النكات
والنوادر والضحك.
وعندما بدأت الطائرة بالهبوط أعدنا الإمساك ببعضنا البعض
حتى استقرت الطائرة في زاوية من مطار كييف عاصمة أوكرانيا.
جيء بباص صغير ودعينا للصعود سار بنا الباص وسط الغابات دون المرور بالمدينة وأخيرا توقف عند بناية من طابقين خرجت الينا فور نزولنا من الباص امرأة متوسطة العمر ترتدي فوق ملابسها معطف مستشفيات ابيض وتبدوا كأنها طبيبة أو ممرضة.
سألني رئيس الوفد هل هذا فندق ؟ قلت : لا أعتقد وتوجهت
بدوري بالسؤال الى السيدة.
قالت السيدة : ان هذا ليس بفندق وانما مصحة (سنتوريوم)
تابعة لأكاديمية ...... الأوكرانية وانا مديرة هذا المجمع.
سألت: ولماذا أتينا الى هنا؟
قالت: عميد الأكاديمية كلفها بإستضافتنا.
استشاط رئيس الوفد غضبا وقال لي سوف لن نسكن هنا قل لهم ان يجدوا لنا فندقا
جيدا في المدينة فنحن وفد رسمي عالي المستوى.
قالت السيدة إنها مكلفة فقط بإستضافتنا هنا كضيوف على الأكاديمية
وليس لديها أية تعليمات أخرى ورفضت اجراء اية اتصالات حول الموضوع.
لم يكن معنا أحدا من الجهة الداعية للوفد لنستعين به ، قلت لرئيس الوفد بعد ان استوعب الموقف: العبرة بمن سنقابل دعنا ننزل وعندما يأتينا المسؤولون نستوضح الامر.
لم يكن معنا أحدا من الجهة الداعية للوفد لنستعين به ، قلت لرئيس الوفد بعد ان استوعب الموقف: العبرة بمن سنقابل دعنا ننزل وعندما يأتينا المسؤولون نستوضح الامر.
كانت المصحة نظيفة وخالية من النزلاء سوانا وكان الطعام صحيا والمناظر المحيطة جميلة. كانت هناك كافيتيريا/بار تخدم فيها فتاة عشرينية تشبه اللعبة في وجهها المدور وخدودها القرمزية وشعرها الاصفر الكثيف وعيونها الزرقاء الصافية واسمها نتاشا. ولما لم يكن لدى الوفد شيئا يفعله في الأماسي وسط هذه الغابة تحلّق الجميع حول الــ "كاونتر " الذي تخدم خلفه نتاشا وعيونهم تتابع حركاتها وهي تحضر الطلبات وأسماعهم صاغية لألتقاط أي شيء تتفوه به.
كانت تلك لاشك ليالي لن تنساها نتاشا وهي تتحرك بخيلاء أمام
هذا العدد المتعطش الى الرقة والجمال الذي رماه القدر في أسرها.
No comments:
Post a Comment