Monday, August 14, 2017

أسواق الغذاء في موسكو السوفيتية

من كتابنا (ذكريات وأحداث سوفيتية )
 واما بالنسبة للطعام فبلإضافة الى البرودوكتيات الرخيصة التي تعرضنا اليها سابقا كان هناك سوقان كبيران يسمى أحدهما السنترالني رينك (السوق المركزي) و الآخر التشريومشكي رينك و كانت هذه الأسواق الوحيدة التي يعمل فيها الباعة لصالحهم (ليسوا موظفين) و قد اقيمت  هذه الأسواق في البداية لتكون مكانا لبيع الفائض من إنتاج الحدائق المنزلية و البيوت الريفية (الداتشات) و لكنها أصبحت فيما بعد تتعاطى حتى بالمستورد . وكان خيار الفاكهة الفاخرة بمختلف أنواعها و الخضروات يباع فيها وكذلك تباع  فيها اللحوم الممتازة  و بطبيعة الحال كانت هذه الاسواق غالية جدا بالنسبة للمواطن السوفيتي و لكنها رخيصة جدا بالنسبة للأجانب المسلحين بالدولارات وضعف الروبل و من عاش في موسكو آنذاك لا بد وأن يتذكر لحم التلياتنا الغض المائل الى البياض ( لحم العجل الصغير) وموسم نزول الكرز الكبير الأحمر المائل الى السواد.
 وفي أيام التصريف الجيد للعملة  وأجواء الربيع السحرية كنا لانشتري الا التلياتنا وكانت ايام الكرز مناسبة لنشتري كميات هائلة  منه  ونضعها  في المطبخ  ليصيب منها الداخل و الخارج.
  وعندما تخبو جذوة التسوق في  السنترالني رينك مع قرب نهاية الربيع  يتساقط على المارة و السيارات من الأشجار الباسقة في الحديقة القريبة من السوق ما يشبه لفافات من الثلج المنثور و مع أن هذه اللفافات مزعجة الى حد ما إلا انها غريبة و خلفها قصة غريبة أيضا اذ يقول الروس ان إحدى أميرات روسيا إفتقدت تساقط الثلج في آواخر الربيع و الصيف فزرع لها القيصر هذه الأشجار لتنثر لها الثلج في غير موسمه ويا عجب لما يفعله البعض من اجل عيون الأميرات فمن أجل أميرة تعشق الجبال بنى الملك البابلي الجنائن المعلقة و من أجل أميرة تعشق الثلج ورط القيصر سكان موسكو بهذه الندف  المزعجة المتطايرة على الوجوه وزجاج السيارات.
كانت الأسواق القليلة الخاصة مثل السنترالني رينك و الجريومشكي و اسمائيلوف من الأماكن التي يشعر بها الأجنبي بالراحة التامة حيث يهتم به الباعة و يدللونه و يحاولون فهم ما يريد بكل الوسائل و هذا وضع يختلف تماما عن الأسواق الحكومية التي يتزود منها المواطنون بإحتياجاتهم من المأكل و الملبس و اللوازم فهنا تجد عادة الطابور (الأوجرد) على البضاعة او على الكاشيرة لتسليم النقود و لو إستفسر الأجنبي بلغته المحدودة عن شئ فلا يجاب و يؤخذ طلب ما بعده في الطابور و تصل الحالة بالمرء الى أن يشتري الشئ على أمل أن يكون مطابقا لما يريد حتى يتحاشى زجر وصلافة الباعة فمبدأ السوق هنا مقلوب تماما البائع هو السيد و ليس المشتري و إذا أردت ان تحصل على شئ خصوصا السجائر أو الدجاج الأجنبي فعليك أن تكلف العاملات في السفارة أو الدائرة ليحصلن عليه لك من الأبواب الخلفية للمخازن الحكومية بأسعار أعلى من الأسعار المقررة.
كان نمط بناء الخزين الإستراتيجي الغذائي للدبلوماسي العراقي في موسكو يتلخص بأن يشتري الباميا الناعمة من السنترالني رينك والبامية كما هو معروف غير مألوفة بالنسبة للمواطنين الروس والاوربيين وهي تأتي السنترالني رينك مستهدفة الأجانب ومن غرائب الأمور وحسن الصدف أن راغبيها من الدبلوماسيين الأفارقة يفضلون البامية الخشنة على الناعمة وعليه فهم يأخذون "الخشنات" ويتركون لنا النواعم !! . وبعد البامية  يأتي سمك الكارب (السمك الحي) و الروس لا يحبون هذا النوع من السمك رغم أنه ينتج بكميات جيدة في البحيرات الإصطناعية و عليه فهو رخيص جدا ببضع سنتات وعندما تأتي السيارات الناقلة للكارب يقصدها الدبلوماسي العراقي ويشتري كميات كبيرة  يملأ بها مجمدته المخصصة لهذا الغرض و بعد تأمين هاتين  الفقرتين الباميا وسمك الكارب يخلد هادي البال بانتظار الزمهرير.
 كانت أول معرفة لي بوجود هذا السمك عندما دعاني السيد السفير و العائلة للغداء في بيته بمناسبة قدومنا و ثاني مصادفة عندما دعاني مدير إدارة السفارة  في بيته لنفس الغرض  فقد عمل لنا ثلاثة سمكات أو أربعة فسألته لابد ان هذا السمك قد كلف الكثير  فأجاب أنت لست في العراق فالناس هنا لايحبون هذا السمك وبالتالي فهو رخيص جدا وعلى هذا الأساس وبعد ان استقرت بي الامور إشتريت مجمدة إضافية خاصة لإستضافة سمك الكارب.

No comments:

Post a Comment

صفقة القرن ة وعظمة القصاب

في أوائل القرن الماضي كان حلاق المحلّة يقوم بأعمال الطبيب إضافة الى وظيفته. ذات يوم أصيبت عين قصاب المحلة بجزيئة فُتات عظمة إستقرت ف...