في أوائل القرن الماضي كان حلاق المحلّة يقوم
بأعمال الطبيب إضافة الى وظيفته. ذات يوم أصيبت عين قصاب المحلة بجزيئة فُتات عظمة
إستقرت في طرفها. أخذ القصاب معه قليلاً من اللحم وذهب الى الحلاق للعلاج. قام
الحلاق بمداواة عين القصاب وطلب منه أن يعود اليه بعد ثلاثة أيام. وفي الموعد المحدد
أخذ القصاب قليلاً من اللحم وذهب الى الحلاق فكرر الحلاق ما فعله في المرة السابقة.
تصادف أن خرج الحلاق لقضاء أمر هام في المرة الثالثة تاركاً المحل بعهدة إبنه. جاء
القصاب ومعه المقسوم كالعادة. تناول الإبن ملقطاً صغيراً وإلتقط الجزيئة وعاد
القصاب الى بيته. أخبر إبن الحلاق أباه بما حدث متوقعاً أن يفخر بمهارته إلا أن
الحلاق إستشاط غضباً ودمدم : راح تأكل لحم من شيب اللي خلفوك.
في 29 /11 /1947 أصدرت الأمم المتحدة القرار
181 قسمت فيه فلسطين الى ثلاث مناطق: منطقة تقام عليها الدولة الفلسطينية وتضم
الجليل الغربي وعكّا والضفة الغربية ومنطقة ساحلية من شمال اسدود حتى رفح جنوبا
بالإضافة الى قسم صحراوي على طول الحدود مع مصر ومنطقة تقام عليها الدولة اليهودية
وثالثة تحت الوصاية الدولية وتشمل القدس وبيت لحم. رفض الفلسطينيون والعرب التقسيم
ودخلوا الحرب وخرجوا منها بخسارة أراضي هامة مما خصصه القرار لفلسطين.
في 21 نيسان عام 1965 دعا الرئيس التونسي
الحبيب بورقيبة الى تسوية الصراع العربي الإسرائيلي على قاعدة قرار التقسيم
181المشار اليه أعلاه لتنهال على الرجل عاصفة من السباب والتخوين. وفي 5 حزيران
1967 دخل العرب في حرب أخرى مع إسرائيل وخرجوا منها بخسارة القدس والضفة الغربية
والجولان وغزة وسيناء.
كنت في عام 1967 رئيسا للجمعية العربية في
شمال شرق إنكلترا ومقرها في جامعة نيوكاسل وتضم الطلبة العرب في الجامعة والمناطق المحيطة
والعمال العرب في مدينة ساوث شيلدز (ومعظمهم من اليمن).
كانت معنوياتنا صباح يوم الحرب عالية علو
السماء ونحن نسمع "يا أبو خالد يا حبيب بكرة حندخل تل أبيب" وفي اليوم
التالي عندما رأينا حاكم غزة يخرج شابكاً عشره على رأسه والنجوم والسيوف تتزاحم
على كتفيه أسيراً، حاول بعضنا الإنتحار وحاولنا تجاوز الصدمة من خلال التطوع وجمع التبرعات
والدعوة للإستمرار في الحرب.
ما طرحه صهر ترامب من مشاريع ليس بجديد فقد
تم بموجب اتفاق أوسلو عام 1993 بناء مطار غزة بمبلغ 80 مليون دولار وشارك في
افتتاحه عام 1998 الرئيسان ياسر عرفات وبيل كلنتون وسافر عبره ألاف الفلسطينيين
الى الحج والعمرة ودول العالم حتى عام 2000 ومن ثم تم تدميره نتيجة سوء إدارة
الصراع من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين.
وبالمناسبة لا داعي لخوف البعض، على الأكثر لن يفعل كوشنر
ما فعله إبن الحلاق في سالفتنا.
المقال منشور في الزمان الدولية على الرابط