داهم الصيف العراقيين مرة أخرى والخدمات على وضعها،
والبطالة على وضعها، والفساد على وضعه، والساسة الماكرون على وضعهم، يتصيدون
المكاسب والمغانم ويدقون الأسافين في الوحدة الوطنية والهوية الوطنية العراقية.
وجاء "فوق الهضايم شيخ جاسم "، حيث
خرجت علينا حليفتنا أمريكا بمشروع طي الاستثمارات الإيرانية في الأسلحة النووية
والصاروخية وتسليح وتمويل الأتباع في دول الجوار وقابلتها جارتنا إيران بالإصرار
على عدم التخلي عن حلمها في تصدير الثورة وعن إستثماراتها في هذا الاتجاه. وحيث أن في العراق
يتواجد البشر اللازم والمال اللازم لخوض الصراع بأقل كلفة فإن صراع تلك الدولتين
يهدد أحلام العراقيين بإعادة البناء والاستراحة من الحروب إضافة الى نسف جهود
العراقيين من أجل ترسيخ الوحدة والهوية الوطنية العراقية.
تحت هذه الظروف النفسية العصيبة برز في
الآونة الأخيرة مجموعة من الشباب والرجال ورتَّبوا سفرات سياحية (كروبات) في
الداخل (خصوصاً الى إقليم كوردستان) بكلف زهيدة جداً في مقدور الكثير من
المواطنين.
كما رتب آخرون، سفرات سياحية أخرى الى الدول التي
تقبل العراقيين بأسعار مناسبة جداً في مقدور الكثير من موظفي الدولة والمتقاعدين، مما
يسر على هذه الشرائح الواسعة من المجتمع السفر والترويح عن النفس وطرد كابوس
الإحباط المسيطر على النفوس.
كنت أيام أسفاري وأنا في الوظيفة عند زيارة بعض
المعالم، أُشفق على كبار السن من الأوربيين وهم يهرولون وراء المرشد السياحي الذي
يرفع علم المجموعة ويجري من مَعلَم الى مَعلَم وأستغرب كبر المجموعات الأسيوية وهم
يهرولون وراء المرشد السياحي من موقع الى آخر. وعليه فإن فكرة الاشتراك في
المجموعات السياحية كانت تخيفني بعد التقاعد خصوصاً وقد وهن الحيل بعض الشيء
و" سافت بعض البراغي ". ومع ذلك كان للضرورة أحكام فغامرت وقبلت التحدي.
في تلك السفرات، أثلج صدري أن تمخر الباصات
عباب جبال أذربيجان وأرمينيا وتركيا وهي تحمل العراقيين بكامل نسيجهم الإثني
والديني والطائفي شيباً وشباباً، ذكوراً وإناثاً وهم يتمايلون طرباً ويطلقون
الحناجر مع الأغاني العربية الجنوبية والغربية والموصلية ومع الأغاني الكوردية الشجية.
كان
لنا موعد في السفرة الأخيرة الى تركيا مع عشاء متواضع وحفلة زاخرة على ظهر العبارة
البحرية "ليالي الشام " للمجموعات السياحية العربية . إستُهل الحفل بالعراضة الشاميّة التي حيّا
فيها المنشدون العراق مرارا وتكراراً وحيوّا مدن العراق واحدة واحدة وسط تجاوب
عارم من العراقيين من كل الأعراق والأديان والمذاهب .... كم أنت عزيز وموحد يا
عراق خارج دكاكين ساستك وبعض رجال دينك!
وثمة موعد آخر في سفرة بحرية خاصة بالمجموعة
العراقية في بحر مرمرة. حيث
صدحت الأغاني العراقية الجميلة على ظهر
العبارة وما أن هدرت الموسيقى بأناشيد المعركة ضد داعش، حتى نزل الى الساحة جميع
الحضور تقريباً ورفرفت المناديل ودارت السبح عالياً فوق الأيادي ومالت القدود
وكأني بهم نخلات عراقية شامخة تتمايل جذلى مع أنسام الصباح.
لم
أكن أستطيع المشاركة وإن رغبت حيث إنني عند الحماسة لا أستطيع مقاومة نزول الدمع مدراراً
فأدرت وجهي شطر البحر لأستتر وأكتم في جوفي مرارة تفريط غالب سياسيينا بأسباب قوتنا
وأكتفي بما جسده الحضور من وحدة الهوية العراقية شاكراً الله على صغير رَحماته.
(رَحمات جمع رحمة والمقولة إنكليزية Thank
God for little mercies
).
No comments:
Post a Comment