Thursday, January 25, 2018

مساء الخير



مساء الليلة التي سبقت عودتي من الحلة الى أربيل حضر الى منتجعي الصغير في البكرلي في مدينة  الحلة / محافظة بابل أبناء وبنات أخي الأكبر وزوجاتهم وازواجهم و أطفالهم ولما كان الطابق الارضي من المنتجع  عبارة عن غرفة إستقبال وغرفة نوم  فقط ومطبخ صغير لا يتسع لأكثر من ثلاثة رواد  فقد ملأوا علي الدار بالحديث والضحك واللعب .
ومما زاد في بهجة اللقاء  حضور بنت أخي الدكتورة إسراء وزوجها المهندس قاسم الّذَين عادا للتو من لندن بعد الحصول على الشهادات العليا في الطب والهندسة .

إستمرت البهجة على هذا المنوال حتى إتصل إبن أختي الدكتور ماجد  وقال إنه والأستاذ حيدر وأخوانه أبناء أخت أخرى قادمين الى البيت الصغير .

حرت في أمري هل أفتح غرفة نومي لعيال أخي وأترك الإستقبال لعيال أخواتي والغرفة بحاجة الى ترتيب قد يطول .
  
خرجت لأستقبل الشباب في الكراج الواسع المبلط بالكاشي و الذي يشكل إمتدادا لبناء البيت حيث  طالما  إستخدمته في الربيع والصيف والخريف للإستقبال والطعام . 

كان الجو قارصاً تلك الليلة وبهذا لم يكن المكان  صالحاً للغرض المذكور  .

 طلبت من أحد الشباب إحضار الفحم حيث كانت المنقلة الروسية ذاتية الإستمرار في الإشتعال   التي إشتريتها في موسكو موجودة منذ شواء الظهيرة وأوقدت النار ليتحلّق الشباب حولها .

إنسحبت الى غرفة النوم لأحضر لوازمي المتروكة في الدار منذ عشرات السنين .. العقال واليشماغ الأحمر  اللذان إبتعتهما في السعودية أيام تصدير الفوسفات .. الجاكيت الماروني الذي إشتريته أيام العمل في روسيا والذي ركنته منذ ذلك الحين حيث إعتبرته لوناً غير مناسب ولكنه  شكل هذه المرة نسقاً مميزاً مع اليشماغ الأحمر والدشداشة العراقية الغامقة اللون .

خرجت للشباب بهيئة شيخ عرب ولو بنعال الحمام  مما أثار دهشتهم ، بعدها عدت وأحضرت الربابة التي إشتريتها من جرش في الأردن في أحد أسفاري .

جلس الجميع حول النار المتقدة جمراً غزيراً يتلضّى . سحبت الوتر وأنشدت :
مساكم خير يا الجيتوا علينا ...... نسينا الشيب من جيتوا علينا

وبعدها أطلقت من الموبايل صوت  المرحوم جبار عكار لأصاحبه في أغاني شجن البادية.

     

Saturday, January 13, 2018

كاسترو ، تشي جيفارا وكوانتانا ميرا





كنا قد نجحنا في المؤسسة العامة للمعادن في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي في تصدير سماد أحادي فوسفات الأمونيوم (MAP )  المنتج في معمل القائم الى كوبا رغم بعد المسافة وبالمارك الألماني مستفيدين من عزوف الكوبيين عن الشراء من الولايات المتحدة الامريكية القريبة عليهم .
تصادف في ذلك الوقت إنعقاد المؤتمر السنوي لصناعة الأسمدة العالمية في  مدينة مكسيكو  عاصمة المكسيك القريبة من كوبا  والذي يحضره كبار المصدرين والمستوردين للفوسفات عادة وبناءً على رغبة الجانب الكوبي ذهبنا الى كوبا بعد إنتهاء أعمال المؤتمر وكانت تلك هي زيارتي الأولى الى كوبا  .

نزلنا في فندق هافانا ليبيري في العاصمة الكوبية هافانا وكان هذا الفندق إسمه هافانا هيلتون عند إفتتاحه عام 1958  أي قبل سنة واحدة من نجاح الثورة الكوبية في عام 1959 بقيادة فيدل كاسترو وقد تم تأميم  هذا الفندق بعد سنة واحدة أيضا  من نجاح تلك الثورة أي في عام 1960 وتبديل اسمه الى ما ذكرناه .
كان الفندق فارهاً بكل المقاييس إلاّ أن الثوار كما يبدو لم يستبدلو أية قطعة من أثاثه منذ التأميم قبل أكثر من عشرين عاما عملاً بمبدأ أنها لا زالت تفي بالغرض أو لضيق ذات اليد .

 هافاناً كانت متميزة  بسياراتها الأمريكية من موديلات الأربعينات والخمسينات قبل الثورة والتي سُمح لمالكيها الإحتفاظ بها وقد إستطاع هؤلاء المالكين بحكم الضرورة  تصليحها وإدامتها بمهارة فريدة.
 هافانا كانت جميلة أيضاً بفتياتها البيض والسمر والسود ذوات القوام الفارع  الممشوق والتضاريس البارزة  بالشورتات والقمصان البسيطة الملونة المفتوحة  .
  هافانا كانت تعج  بالموسيقى  والطرب  اللاتيني في كل مكان إذ ترى الرقص والغناء والموسيقى في ساحات وحارات المدينة وفي المطاعم تصدح الموسيقى  ويأتيك النادل  و على  راحة كفه الطعام والشراب  بحركات متوافقة مع أنغام الموسيقى  بينما ينهمك الزبائن في إحتساء الرم  (Rum ) الممزوج بالكولا والتمايل مع الموسيقى.  

لم تكن هناك في الشوارع والساحات صوراً للزعيم فيدل كاسترو بل كانت هناك صوراً لتشي جيفارا.  سألنا مرافقنا الكوبي  عن السبب فأوضح أن الناس هنا تعتقد أن نشر صور الأحياء فأل سوء على بقائهم ولذلك ترى صور تشي جيفارا  ولا ترى صور الزعيم القائد كاسترو . عندها إختلسنا النظر الى بعضنا ولسان حالنا يقول ليت أهلنا في العراق يعتقدون بهذا المعتقد المفيد.   

إستقبلنا السفير بحفاوة بالغة في مكتبه في السفارة شأنه شأن سفراء وموظفي سفاراتنا البعيدة عن العراق  القليلة الوفود وجلس يشرح لنا العلاقات العراقية الكوبية واوضاع كوبا الإقتصادية والمعيشية وكان مما قاله : كوبا بلد خيرات ولا يمكن أن يموت فيه أحد من الجوع   واستطرد قائلاً لو رميت عصا يابسة في البرية الكوبية لوجدتها بعد أيام قليلة قد إخضرّت وتحولت الى نبتة.  عندها قلت له : سعادة السفير مما فهمناه من الملحق التجاري ومرافقنا الكوبي بصورة غير مباشرة ان حالة السكن والملبس والمأكل للشعب الكوبي بائسة بخلاف ما بدا لنا ظاهراً على السطح .
إعتدل السفير في جلسته ورفع رأسه وحدّق فينا لبرهة وقال : تعرفون هذا صحيح ولكن لماذا ؟ وأجاب على سؤاله :لأن في كوبا 20 % تعمل و80 % بالمائة تراقب .

في يوم آخر إصطَحَبَنا مسؤولون كوبيّون مع مترجم من أصول عربية في رحلة لبضع ساعات خارج هافانا الى مزرعة حمضيات كبيرة حيث إطلعنا على  أوضاعها وبعدها جلسنا للغداء مع مدير المزرعة وناظرة المزرعة ومسؤول  حزبي كما يبدو  ومسؤول بلباس عسكري  ومرافقينا .
تكلم المسؤول الحزبي فقال : في هذه البقعة من الأرض تحديداً كان القائد فيدل كاسترو يقاتل الأمريكان ورغم إنشغاله بهذا الأمر الجلل فإنه لاحظ نبتة حمضيات قد نمت لوحدها وفور نجاح الثورة أمر بإنشاء هذه المزرعة .
تكلمت الناظرة فقالت أنظروا الي أنا كنت لا أملك شيئاً قبل الثورة واليوم لدي  غرفتي الخاصة في سكن المجمع ولدي ثلاجة وراديو.
من جانبنا بادرنا بمناقشة إستخدام السماد الفوسفاتي في المزرعة وسألنا عن  خدمة المزرعة إذ تبين أنهم يعتمدون  بالدرجة الأساس على عمل طلاب الإعدادية القريبة منها بدون مقابل بالإضافة الى كادرها الأساسي .
طلب الضابط مني بعد ذلك أن أختار الموسيقى قبل الولوج في الأكل والشرب , فهمس المترجم بأذني كونتانا ميرا .
فنفشت ريشي وشكرت الحضور على حسن الضيافة وغزارة المعلومات المقدمة لنا وحييت العاملين في المزرعة واقترحت أن نسمع معاً الأغنية  الوطنية الشعبية  كونتانا ميرا .
 أطلق الحضور صيحات الإستحسان لهذا الخيار وصدحنا جميعاً بحضور بساتين البرتقال  كوانتانا ميرا ... كوانتانا ميرا ... كوانتانا ميرا ....

في أمسية لا تنسى دُعينا للعشاء والسهرة في مطعم في غابة يدعى  تروبيكانا .
كانت الموائد موزعة تحت أشجار الغابة  حول مسرح كبير دائري الشكل يرتفع عند توقيت معلوم بحدود متر .
 بعد أن يتم طلب وإستهلاك العشاء تقريبا تطفأ الأضوية ومن ثم تفتح لترى المسرح قد إرتفع وعليه الفرقة الموسيقية تصدح بأولى نغماتها مع مجموعة كبيرة من الراقصين والراقصات  وترى عند كل مائدة راقصة ترتدي ما يشبه لباس السباحة مزركشاً  بإكسسوارات بشتى الألوان وغطاء رأس من الريش الطويل الزاهي الألوان وهناك راقصات وراقصين  بأزياء مماثلة على البعد تحت كل شجرة منظورة وفوق جسور خشبية تم مدّها بين الاشجار في الأعلى وكل الراقصين يرقصون بإنسجام تام مع الموسيقى المتهادية عبر أرجاء الغابة من المسرح .
بعد إنتهاء هذه الوصلة الغريبة ينسحب الراقصون من مواقعهم ويعود التركيز الى المسرح الذي تبدأ فيه وصلات غنائية وفولكلوية حت منتصف الليل تقريباً ليعتلي  المسرح بعدها الراغبين من الحضور في الرقص حتى مطلع الفجر .
بعد إنتهاء السهرة سألت عن الكلفة فتبين أنها زهيدة جداً وعليه قررت ورفيقي في الإيفاد أن نعيد الكرة في الليلة التالية على حسابنا.

وبعد قرابة عقد ونصف من الزمان عدت في زيارة رسمية الى كوبا وسألت عن تروبيكانيا فقالوا لي أنها لازالت موجودة وبرنامجها بخير ولكنها أصبحت بالدولار وبكلفة عالية جداً وجدتها  لا تتناسب مع مخصصات الإيفاد لأقترح العشاء فيها على وفدنا.  




Sunday, January 7, 2018

قصة الروس والفودكا



حب الروس للمشروبات الكحولية سبق ظهور الفودكا في القرن السادس عشر الميلادي وظهور أول دولة تحمل كلمة روس في عنوانها في القرن الثامن الميلادي(كيفسكايا روس ).

بعد أن إستقر الوضع  للأمير فلاديمير في دولة  كيفسكايا روس  التي تأسست في مدينة كييف عاصمة أوكرانيا الحالية وشملت أراضيها  أوكرانيا الحالية وبيلاروسيا وشمال روسيا و التي تعتبر الآن  الدولة الأم لروسيا وأوكرانيا وبيلروسيا.  قرر الأمير أن يختار ديناً لبلاده الوثنية عام 986 فاستدعى ممثلين من الأقاليم من بينهم مسلمو حوض نهر الفولغا  ويهود منطقة  الخزر. ويقال أنه كاد أن يختار الإسلام ولكنه عدل عن هذا الإختيار عندما علم بتحريم الإسلام للمشروبات الكحولية وتذكر مدونة القرن الثاني عشر الميلادي ( قصة السنوات الغابرة ) The tale of bygone years  أنه قال: "الشرب متعة جميع الروس ولا يمكننا العيش بدونه"
وأشك أن تكون  المتعة وحدها سبب رفضه الإسلام  فالخوف من  الطهور من قبل الرجل البالغ أمر وارد والخوف من فقدان الانتاج الوفير من السمن واللحم الذي يوفره الخنزير بتكاثره السريع   أمروارد أيضا في اقتصاديات بلدان الأصقاع القارصة البرد في ذلك الزمان  .
ومهما يكن للأمر من أسباب  لم تمنع المتعة أللاحقين من حكام روسيا من منع المشروبات الكحولية أو محاربة استهلاكها في ضوء مثالبها على المجتمع والاقتصاد  فقد منع القيصر عام 1914 المشروبات الكحولية  وأبقى الشيوعيون بعده هذا المنع لفترة وكانت آخر محاربة للمشروبات الكحولية أثناء وجودنا في موسكو في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي من قبل آخر زعيم سوفيتي  ميخائل غورباتشوف ويبدو أن في الموضوع إنًّ ، فمن المفارقات أن  أُزيل  حكم القيصر وأُزيل  حكم غورباتشوف وبقيت الفودكا !!!.

وعلى أية حال  فإن من يعيش في موسكو يلمس بنفسه حب الروس للشرب والفودكا  بالتحديد فالضباط الروس لا يعتبرون الشرّيب رجلا إذا لم يكمل زجاجة فودكا في جلسة واحدة وبسطاء الروس في جلسات شرب الفودكا يمررون الزجاجة بينهم مع قطعة خبز سوداء يشمونها ويشربون .
وفي الولائم يتناوب الجالسون الروس الأنخاب دون توقف واذا كان في الوليمة أجانب فإن المترجم سوف لا يستطيع بلع لقمة واحدة وتنفيذ واجبه في ترجمة  سيل الأنخاب ويقول الروس أنه عندما تنتهي مواضيع الأنخاب فانهم يبدؤون بشرب نخب من وقف على التل ومن نزل من التل ومن صعد الى التل الى مالا نهاية. ويقول الروس أيضا ان أفضل الأصدقاء هم من يجلسون للشرب على طاولة واحدة وينتهون بالنوم بسبب الشرب على نفس الطاولة .

كنت ذات مرة مع وفد بضيافة شركة نفط تتارستان وفي نادي الشركة هناك وفي المساء أقاموا لنا مأدبة عشاء فاخرة مدعومة بأعداد كبيرة من زجاجات الفودكا والعصائر والمشروبات الغازية وبدأت الأنخاب وسرى الليل ونضبت المواضيع بالنسبة لجانبنا ولا زال الجانب الروسي المقابل مستمرا في طرح الأنخاب. عندها قررت الإستعانة برباعيات الخيام مواضيعاً لأنخابي  لتعزيز موقف جانبنا فرفع  الجانبان الكؤوس معي  بالفودكا وبالكولا مرددين نخب الماء ونخب الخضراء ونخب الوجه الحسن والإعادة بالتسلسل  حتى ثقُلت الألسن وهجم النعاس ليُثقل الجفون  وينفضّ القوم .



Thursday, January 4, 2018

موسكو والثلوج




في معظم السنوات التي قضيتها في موسكو كانت ندف الثلج تبدأ بالسقوط في 10/10وكانت
إزاحة الثلج من الشوارع العامة تقوم بها آليات متخصصة على مدار الساعة وتبدأ الشاحنات الكبيرة  بذر الملح على سطح الشارع  لتأتي بعدها  الشفلات لإزاحة الثلج  من وسط الطريق الى جانبيه مشكلة كتوفاً عالية من الثلج على جانبي الشارع ليبدأ دور شاحنات مجهزة بآلة خلفية تقوم بأخذ الثلج  من الجوانب ودفعه على حزام ناقل الى ظهر الشاحنة. وهناك آلة مستقلة عن الشاحنة يستأنس العراقيون بمراقبتها في العمل وتتألف من ما يشبه الذراعين في قاعدتها و يرتبط بها حزام ناقل يتم وضعها أمام كتف الثلج الذي شكلته الشفلات على جانب الطريق وعندما تباشر العمل تصطف الشحنات خلفها لتملأ بالثلج وبسرعة كبيرة. ان حركة الذراعين في قاعدة هذه الآلة تشبه بالضبط حركة ذراعي إنسان  يجمع شيئا ما الى حضنه بنشاط وبدون كلل .

لا يشعر الشخص عادة  بالبرد عند الخروج من السكن في حالة عدم وجود تيار هواء لفترة لا بأس بها . يقال والعهدة على  الروسي أن رجلاً وقف في الثلج لفترة  , مد يده ليحك أذنه فتكسر صيوانها المتجمد بيده . ويحدث أيضاً أن يستريح مخمور ليلاً على أريكة أو دكة في شارع أو حديقة في طريقه الى البيت ويتجمد دون أن يدري لتتكفل أمره البلدية في الصباح .

ومهما يكن فإن من المؤكد عند السكن في موسكو  هو أن تتزحلق وتسقط ولو مرة واحدة في الشتاء والغريب في الأمر أنك إن إنتبهت الى الزحلقة فالإحتمال كبير ان تخرج منها بكسر في اليد التي تتوقى السقوط بها لا إراديا وإن لم تنتبه يكون سقوطك عفويا على إمتداد طولك وتنفذ من الحادث بإنفراط ما كنت تحمله من أمور .
ذات مرة ركنت السيارة قرب مكان السكن وخرجت ساهياً أحمل كيسي تسوق كبيرين من اللبن والعصائر والأمور الأخرى وعند باب العمارة وجدت نفسي مطروحا بالكامل على الرصيف  وقد تدفق اللبن الأبيض من حولي وتكسرت زجاجات العصائر وتسابق في الجري على الجليد كل كروي في الكيسين .
وفي مرة أخرى زار السفارة وفد من العراق وبعد الخروج والسير بضع خطوات حاول أحدهم أن يتفادى السقوط ولكنه سقط وكسر يده وقضى إيفاده ويده في التجبير مربوطة بعنقه .   

أما السيارات في الشتاء فمع الصباح تكون السيارة قد تغطت بطبقة ثلج بسمك عشرة الى ثلاثين سنتيمترا وكنا نكلف أحد عمال عمارة السكن ليزيل الثلج كل صباح لقاء أجر حيث يخرج العامل الى السيارات ومعه معدات القشط وسطل ماء حار. وفي أيام البرد القارص يتجمد التنفس داخل السيارة رغم فتح التدفئة مما يتطلب قشـطه أيـضا وفي درجـة حـرارة (ــ 32 مئوية) التي بلغتها الحرارة في أحد الأيام لم أتمكن من إدخال المفتاح في باب السيارة مما اقتضى ان يجيء العامل بمذيب خاص لهذا الغرض.

أما الطائرات فهناك مرشات متخصصة لتخليصها من الثلج وآليات لتنظيف المدارج ومع ذلك تحدث أحيانا أن تغطي أرض المطار طبقة  من الثلج الصلب يطلق عليها "الثلج الأسود " وفي هذه الحالة  يمنع هبوط الطائرات حتى إزالته.

كنت عائدا ذات مرة بالطائرة من مدينة أوديسا على البحر الأسود في أوكرانيا الى موسكو. شعرت  مع باقي الركاب أن الطائرة حامت  حول مطار موسكو ولم تهبط وعادت الى الارتفاع وبعد أن تأخر موعد هبوط الطائرة في مطار موسكو لأكثر من ساعة بدون توضيح الأسباب أصاب الركاب القلق الشديد والهلع وبدأوا يتساءلون و يرجون المضيفات أن يفصحن عن الخلل الذي أصاب الطائرة وهل سيتمكن الطيار من الهبوط بسلام ومرت ساعة أو بضع ساعة أخرى عصيبة على الجميع  حتى أعلن الكابتن أننا سنهبط قريبا في مطار كييف لأن مطار موسكو كان مغطى بالثلج الأسود ولا يمكن ثبات الهبوط عليه.

وفيما عدا الصعوبات التي يخلقها الثلج للروس فانه مجلبة للخير اذ أنهم يهنئون بعضهم  بعضا بأول سقوط للثلج (سبيرفم سنيغم) ويقولون ثلج كثير خبز كثير (منوغا سنيغا منوغا خلييبا) إذ يحرث الروس الأرض وينشرون بذور الحنطة قبل سقوط الثلج وتبقى البذور راقدة تحت الثلج حتى الربيع لتنبت مع ذوبانه وكلما كانت طبقة الثلج عميقة كلما كان المحصول أوفر.

يقدم الثلج لزائر موسكو في الشتاء بعض التعويض عن الإزعاجات التي قد يواجهها اذ لا يمكن ان ينسى الزائر منظر أغصان الأشجار المغلفة بالثلج وتلألأ بلورات الثلج إن صفا الجو وسمح للشمس بالظهور وقد يشهد الزائر العربي سراب الصيف في الزمهرير كما شهد سراب الماء في البيداء ففي الأيام المشمسة الصافية القارصة البرد حين يعكس الثلج أشعة الشمس ويوحي بالدفأ والحرارة لمن ينظر من خلف شبابيك الغرف الدافئة في أيام يسميها الروس بالصيف الهندي .







صفقة القرن ة وعظمة القصاب

في أوائل القرن الماضي كان حلاق المحلّة يقوم بأعمال الطبيب إضافة الى وظيفته. ذات يوم أصيبت عين قصاب المحلة بجزيئة فُتات عظمة إستقرت ف...