لطلما حضي الثعبان بقسط وافر من أساطير الأولين ونسبت للأفاعي الكثير من الصفات والمميزات في الطب والسحر والغيبيات كأن يستعيد الأطرش سمعه إن لعقت أذنه حية ، إلى
أبعد من ذلك في أساطير المصريين والسومريون والهنود والصينييون فعند الصينييون مثلا أن
الحية (نيووا ) ذات رأس الإمرأة تخلق
تمثال لبشر من الطين وتتسلى عندما ترى الحياة تدب فيه لتذهب وتصنع غيره . وفي
القصة الإنجيلية "سقوط الإنسان " أن حية غررت بآدم وحواء ليأكلا الثمرة
الممنوعة (التفاحة ) ويخرجا من الجنة .
وقدر تعلق الأمر بقرية البكرلي قرب الحلة في محافظة بابل
في أواخر الأربعينات أوائل الخمسينات من القرن الماضي فإن هناك أسطورة الثعبان
الذي يحرس البستان ويطلقون عليه العربيد حيث
يقولون أن بعض البساتين يتواجد فيها عربيد أسود ضخم يتولى حراستها .
تواترت الأحاديث عند أهل القرية عن وجود مثل هذا الثعبان في بستاننا حيث أكد
الكثير من الشهود أنهم شاهدوه يجوب الأدغال ويتوقف بعض الأحيان ليرفع رأسه ويطمأن
على سلامة أوضاع حدود البستان ثم يعود
ويختفي بين أحراشها .
في الثلث الأخير من البستان وعلى ضفة ساقية البساتين
كانت هناك شجرة مشمش شامخة بوضع عمودي وشجرة تين تصعد مع شجرة المشمش الى إرتفاع
قامة ومن ثم تنمو أفقيا بكامل جذعها حتى
تصل الممشى المحاذي للساقية والذي يسلكه
أصحاب البساتين الأبعد في طريق عودتهم الى القرية عند الغروب وثمة شجرة عنب تلتف
على الشجرتين ونخلة تبعث بأطرافها عبر الممشى إليهما لتكمل الظل على فسحة أرض بحجم
غرفة إتخذنا منها
مكاناً لقيلولتنا عند الظهيرة و يأتنيا مايتيسر من الطعام من البيت لنأكل ونسترخي و نغفو في بعض الأحيان
تحت هذا الظل السميك وقد يأتينا أبي ليشاركنا القيلولة في كثير من الأوقات . ولم نكن نشعر بأي خوف حتى لو كنا لوحدنا من
الثعبان فهو بالتأكيد سوف لا يتجاوز مهمته في حراسة البستان ومن فيها حسب إعتقادنا
.
كانت آخر البساتين الموجودة عند نهاية الساقية لرجل طاعن
في السن يعود للقرية كل يوم مع بداية غروب الشمس عبر الممشى الموازي للساقية وكانت
عودته مسموعة من مسافة بعيدة حيث تتخللها الكحة وإفراغ الحنجرة لوازع صحي أو لإخافة
الحيوانات المفترسة التي يدعي البعض بوجودها و التي قد تخرج بحثاً عن رزقها في مثل
هذا الوقت أو لتنبيه الجن بأن يخرج من تحت قش الطريق حتى لا يدوس عليه الرجل
ويتورط حيث أن الأسطورة الأخرى عند القرويين تقول إن من يدوس عل جني قابع تحت ليفة
نخل أو قشة عند الغروب يتلبسه الجني
وسيحتاج أن يربط عند ضريح الإمام عمران
إبن على عليه السلام قرب آثار بابل لعدة ليالي حتى يطرد الجن من جسده أو يذهب الى ساحر متخصص
بطرد الأرواح الشريرة بكلفة باهضة وضرب
مبرح بالخيزرانة .
وصل الرجل الشيخ عند مكان قيلولتنا مع إختفاء آخر ضياء حيثت ضعفت الرؤيا فرأى أن ثمة
طوقاً أسوداً على جذع شجرة التين الممتد أفقيا فوق مكان القيلولة فقال في نفسه :
آه لقد نسي جاري أبو فلان عقاله ومد يده ليمسك بوسط العقال وإذا بالعقال يتفاجأ بمسكته وينفلت مذعورا بقوة وإذا به من مفاجئة
الملمس وإنتفاضة العقال يطفر مذعورا ويسقط بعيدا على الأرض ثم يستجمع قواه وينهض
مهرولا نحو القرية وهو يصيح العربيد ... العربيد ..... إلحقو لي قبل أن يلدغني ... الحقوا لي .....
No comments:
Post a Comment