Friday, September 29, 2017

وقاحة برلمانية







في هذا الوضع المتأزم الذي نعيشه اليوم أضحكني ما إدعته  النائبة العمالية البريطانية عن 

كنزنكتن ِأما دنت كود  من أن الأمير هاري الذي خدم في الجيش البريطاني لمدة 10 سنوات 

وظهرت له صور وهو يقود هليكوبتر مقاتلة في حرب أفغانستان قد رسب أربعة مرات في 

إمتحانات قيادة الهليكوبترات .

ولذلك فهو يجلس  دائما الى جانب الطيار ويعمل فروم فروم فروم ..... 

( كما يفعل الأطفال عندما يتصنعون قيادة سيارة أو طائرة )!!!!!! .

لله در الديمقراطية ورفقا بمكبعاتنا في مجلس النواب العراقي .

المكبعة : المرأة لابسة العبائة





Wednesday, September 27, 2017

الجيش الشعبي والمقاتل حسن


(


عندما تمددت الحرب العراقية الايرانية ( الحرب التي لم ير لها ضرورة معظم العراقيين ) من أيام الى أسابيع الى شهور ومن ثم الى سنين تبدلت مع الوقت مهمة الجيش الشعبي من حراسة المنشآت الحيوية الى الذهاب الى جبهات القتال وتحول من التطوع للذهاب الى الجبهة  للكوادر الحزبية الى الإجبار وانتقل التكليف الى المستقلين من موظفي الدولة ومن ثم الى عموم المواطنين وبعد أن كانت مشاركة واحدة في قواطع الجيش الشعبي تكفي لأغراض تمشية المعاملات أصبحت مشاركتين وحتى ثلاثة مشاركات لاتكفي ومع تضاؤل عدد غير المشاركين في الجبهات أصبح إصطياد الناس  وزجهم في القواطع من أهم مهام الكوادر الحزبية و أصبحت المطاردات للمواطنين غير الراغبين بالإلتحاق بعذر أو بدون عذر  في مواقع السكن ومواقع الوظيفة والعمل رياضة عقلية وبدنية شاقة  لمن تقع عليهم عيون رجال الحزب .
بعد أن عاد حسن من أول قاطع زج فيه بسلام حيث لم يسفك دمه ولم يسفك دم أحد  وجد أن شركته شركة النفط الوطنية العراقية قد تم حلها وتم نقله من قسم الإستيراد في الشركة  المذكورة التابعة لوزارة النفط الى المؤسسة العامة للمعادن مديرا للمشتريات المركزية .
 تم إقتياده مجددا إلى  معسكر التاجي للتدريب في أحد قواطع الجيش الشعبي الذي سيتحرك الى الجبهة بعد أسبوعين .
كان التدريب يبدأ في الصباح بالهرولة ثم محاضرات تفكيك السلاح والأمور النظرية ومن ثم المسير ويعاد الكرة في المساء ومن ثم النوم في قاعات المعسكر .

جاء يوم التخرج  من الدورة وكانت من  متطلباته أن يسير القاطع عبر مطبات وحفر وموانع وبعدها يدخل المقاتل  مايسمى بتطعيم معركة حيث يزحف في التراب تحت الأسلاك الشائكة بينما يتولى جنود من الحرس الجمهوري إطلاق النار بالرصاص الحي على جوانبه وخلفه وأمامه ليخرج بعدها من تحت الأسلاك متربا حامدا الله على السلامة .
وجد حسن أنه لا يستطيع أن يرافق حركة القاطع عبر المطبات فخرج من الجسم البشري المتحرك وأخذ يسير بجانب المتحركين بكل هدوء .
لمحه العريف الذي كان يواكب الجمع  من الجانب الآخر وبيده العصا ويصرخ بالأفراد  لإجتياز الموانع فصاح به : أنت هناك شداتسوي (تعمل ) انتظم فورا في الصف .
إمتثل حسن للأمر وأول ما وجهته عارضة حديدية لم يفلح بإجتيازها فوجد نفسه راكبا عليها .
صاح به العريف : إنزل ، إنزل قبل ما أجيك بالخيزرانه
أجاب حسن : عريفي الله يخليك  ما أكدر (أستطيع )  ... عريفي الله يخليك نزلني
إستشاط العريف غضبا فجاء  ورفعه من العارضة ودفعه جانبا  وهو يتأفف ويقول لنفسه من "..... " أمي ربحنا الحرب .
توقف حسن عند بلوغ الأسلاك الشائكة وكان المقاتلون  يتمرغلون في التراب والرصاص يلعلع في جنباتهم . قال حسن  لنفسه حتما أن هذه الأصوات ستمزق لي طبلة الأذن وراح أتبهذل ثم غيراتجاههه بزاوية 90 درجة وخرج من الصف وسار بسرعة تاركا المرغلة والرصاص والزعيق .
صاح العريف عليه :  إرجع للخط  فورا .إرجع ، إرجع
 لم يأبه حسن لصراخ العريف لأنه أدرك أن العريف لا يستطع  أن يترك الرهط المحاط بالحرس الجمهري  ويركض ورائه .
دخل حسن إحدى غرف المعسكر ليختبأ بها حتى تنتهي المعمعة وإذا به يتفاجأ بوجود آمر القاطع نفسه في القاعة ينفض التراب عن ملابسه العسكرية الأنيقة. أيقن حسن أن الآمر سيأخذه بيده ويمرغله بالتراب أمام أفراد القاطع لكونه هارب من تطعيم المعركة وفكر لوهلة  في الهروب من المعسكر بأكمله .
سأله آمر القاطع : ماذا تفعل هنا ؟؟
تلعثم حسن وأجاب : أستاذ أنا لم أدخل تطعيم المعركة لأن أذني توجعني .
كانت المفاجئة أن الآمر لم يسأل أكثر من ذلك بل ذهب ليشتكي هو لحسن عما جرى له .
قال الآمر : تعرف آني أدخلوني تحت الأسلاك في التراب ورشوا الرصاص من حولي لأني آمر قاطع  ويجب أن أدخل تطعيم معركة قبل أفراد القاطع .
 تعرف بعد ما خلصت هذا الجندي الواقف عند نهاية الأسلاك يقول لي عفية .. عفية ... عبالك آني ثارد وياه للعكس  ( مثل عراقي للدلالة على عمق العلاقة).
كانت حركة القاطع مقررة فجر اليوم الثاني وعند العصر زار حسن رئيس دائرته السابق في شركة النفط الوطنية  والمتنفذ في الحزب وهو يعرف أن حسن مو وجه بهذلة حيث كانت لديه وظيفة مرموقة وبيت في لندن تركهما في ظروف معينة عندما وسوس الشيطان في صدره وعاد الى العراق .
 قال لحسن : في الساعة التاسعة ليلا سأزور القاطع وأجتمع بقادته وأثناء هذا الإجتماع تهرب أنت وجورج ( مقاتل آخر مو وجه بهذلة شمله الرجل بعطفه ) وتعبرون السياج وعنما يتحرك القاطع سوف لا يتعطلون على حسابكم وبعدها سأتولى الموضوع لا تديرون بال .
بالفعل وفي تمام التاسعة عبر حسن وجورج سياج معسكر التاجي وأخذوا تاكسي من الشارع العام عائدين الى بيوتهم .....
أثناء وجود حسن في المعسكر إستلم المؤسسة العامة للمعادن رئيس مؤسسة جديد فوجد أن لديه مشكلتين  الأولى أن  إنتاج المنشأة لكبريت المشراق التابعة للمؤسسة  قد تكدس بسبب غلق المنافذ التصديرية نتيجة للحرب والثانية أن إنتاج الشركة العامة للفوسفات بدأ يتكدس لنفس السبب ولقلة الخبرات التصديرية .
وكان رئيس المؤسسة الجديد  فطنا إذ طلب أضابير جميع الموظفين وبعد دراستها خلص إلى  أن صاحب الإضبارة  المسمى حسن هو من قد يستطيع النهوض بالمهمة حيث عمل مدير إستيراد في شركة النفط الوطنية كما عمل مساعد بحوث تمويل في ثاني أكبر البيوتات المالية في لند ن .
تصادف وأن قامت الطائرات الإيرانية بقصف كبريت المشراق قبل يومين من حركة قاطع حسن في التاجي . إستشاط الوزير غضبا في اليوم التالي  ونزل  الى المؤسسة العامة للمعادن في الطابق الثالث وجمع كادر المؤسسة وبحضور رئيسها.
كان المعروف عن الوزير أنه يلجأ الى الفشار والشتائم من العيار الثقيل عندما يغضب . 
قال الوزير  للمجتمعين :  أولاد  كذا وكذا  كيف تسمحون للكبريت أن يتكدس هكذا وكيف تسمحون للطائرات الإيرانية أن تقصف كبريت المشراق ...
إستسمح رئيس المؤسسة الوزير وقال : عفوا سيادة الوزير منع الطائرات هو ليس بمقدور موظفينا هناك لأنه من مسؤولية القوات المسلحة .
و أما تكدس الكبريت وأود إعلامكم سيادتكم أن الأسمدة الفوسفاتية بدأت تتكدس أيضا في مصنع القائم فهو بسبب الحرب وبسبب نقص الكادر المتمكن من التصدير.  
رد عليه الوزير : أطلب أي شخص من أي وزارة وسأنقله لك .
أجاب رئيس المؤسسة  : لدي شخص يستطيع  بالتأكيد المساعدة في تصدير هذه المواد  وإسمه حسن ..... ولكن الجيش الشعبي قد أخذه وهو الآن في معسكر التاجي .
نادى الوزير على مدير مكتبه وأمره أن يكتب فورا الى القائد العام للجيش الشعبي  ويطلب إعفاء حسن من القاطع وتوجيهه بالعودة  الى المؤسسة العامة للمعادن للحاجة الماسة لخدماته  .
في اليوم التالي بعد الهروب من معسكر التاجي ظهر حسن في المؤسسة العامة للمعادن وأثار حضوره دهشة الموظفين الذين تجمعوا حوله ..
قال له أحدهم من الدائرة الإدارية : كيف أتيت بهذه السرعة لقد كتبنا على إعفائك من القاطع  البارحة عصرا فقط .
تعمد حسن البلاهة ليفهم الموضوع وتصنع أن هناك عمل في مكتبه ينتظره وإنصرف بسرعة  وهناك حكى له موظفوه قصة قصف الكبريت وفشار الوزير وطلب الإعفاء .

خرج حسن نافشا ريشه الى الدائرة الإدارية  حتى لا  يثيرهم الفضول  ويكتشفون هروبه وطفره سياج معسكر التاجي وشكرهم على جهودهم في إعفائه  وعند إعرابهم عن دهشتهم لسرعة الإستجابة من مكتب القائد العام  للجيش الشعبي ،  قال لهم : نحن في حالة حرب ياجماعة ومتطلبات المعركة ينفذها القادة بالهاتف وليس بكتابنا وكتابكم .

  


Tuesday, September 19, 2017

جرّة إذن




في أوائل الخمسينات من القرن الماضي كانت مدرسة الفيحاء الابتدائية للبنين المدرسة الوحيدة في الصوب الصغير(الجانب الصغير )  من الحلة وكانت تقع مباشرة على الشارع المحاذي لشط الحلة في بداية محلة كريطعة ونهاية محلة الكلج .

قبالة ركن المدرسة على الشط كانت هناك شجرة يوكاليبتوس ضخمة يستفيء بها  السيد جواد وقاربه الصغير (بلمه )  بدشداشته البيضاء وعركجينه (طاقيته) المخرم الأبيض بإنتظار نقل المعلمين الساكنين في الصوب الكبير على الجانب الآخر من النهر في نهاية الدوام  والتلاميذ المحالين الى المستوصف الصحي الذي يقع في الصوب الكبير أيضاً  يوميا   . كانت الأجرة عن عبور شط الحلة حسب تسعيرة جواد عنة (تلفظ عانة وتعادل أربعة فلوس) .وكانت النوارس البيضاء لاتبرح هذا المكان تطلق أصواتها وتمشط الشطآن من الجو بحثاً عن الرزق أو تركب  ألنهر صاعدة نازلة مع الموج وادعة مستمتعة .

كانت واجهة المدرسة العريضة على الشارع والشط بسياج بسيط لايحجب النظر عن  الساحة الخارجية غير المبلطة للمدرسة والتي كانت تشهد يوميا فعاليات درس الرياضة بالتناوب لجميع الصفوف . كانت أمهات الأطفال الصغار الجدد  ينتظرن خلف السياج ليتفرجن على أطفالهن   وهم يؤدون التمارين السويدية ويحلمن بهم كبارا أشداء في قادم الأيام .

بعد الساحة الخارجية تأتي باب المدرسة الداخلية حيث تتوزع الصفوف على شكل مستطيل  حول الساحة الداخلية غير المبلطة وبواقع ثلاثة صفوف تقريبا لكل سنة من الأول  حتى الصف السادس الإبتدائي . عند منتصف الصفوف الخلفية  هناك فراغ  بمساحة صف فيه منضدة لكرة الطاولة يحتكرها أولاد الصف السادس والخامس وعلى جانبها تقع باب غرفة المعلمين وباب كبيرة تفضي الى حديقة  مزدانة بأشجار الرارنج والبرتقال .

كانت المدرسة رغم ساحاتها  غير المبلطة وقدم بنائها فارهة جميلة يلعب التلاميذ  بين جنباتها ويعودون الى أعشاشهم كالعصفارير المزقزقة  مع رنة الجرس .

لكنه وكما يقال االشيء بالشيء يذكر كانت مرافق المدرسة خارجية عند نهاية ركنها الأيمن وكانت كسائر المرافق العراقية العتيدة لا يقتحم روائحها الخارقة  الا المضطر وغالبا ما ترى الفئران الكبيرة ( الجريدية ) تغوص وتخرج من جنبات خزائنها  المستورة تحت الحشائش النامية على سطحها  ، مع ذلك في تلك الأزمان لم يشكل كل هذا مشكلة.  إلا أن بعدها عن الصفوف  كان مشكلة حقيقية حيث يتوجب أن تقطع الساحة الداخلية لتخرج من الباب الداخلي الى الساحة الخارجية وبعدها تتوجه نحو الممر النازل بمحاذة الصفوف وتقطعه حتى تصل الى المرافق . في الحالة الإعتيادية ليس هذا بمشكلة لتلاميذ نشيطين صغار ولكنه يشكل معاناة هائلة  لمن يداهمه الإسهال فجأة  أثناء الدرس فبعد أن يأخذ الإذن عليه أن يطلق ساقيه للريح  ويعض على نواجذه وقد  ينجح  أو لا ينجح في قطع المسافة في الوقت المناسب   .

يبدأ الدوام عادة  بالإصطفاف بخطين متوازيين داخل أضلاع الساحة الداخلية الفسيحة وقد يحضر المدير إن كانت لديه أية تعليمات . يشرف على الساحة عادة ثلاثة أو أربعة معلمين وغالبا  ما يطلبون من كل صف أن يتقدم أحدهم ليقرأ نشيدا أو شعرا وكان النشيد المفضل لدى صغار التلاميذ هو لمن لايتذكره :

مليكنا مليكنا نفديك بالأرواح ..... عش سالما عش غانما يا فيصل ......

بوجهك الوضاح !!!!!...

ذهبت الى الفيحاء في يومي الأول مع أخي الأكبر الذي أصبح في الصف الثاني عام 1951 وكان أبي قد إئتمن أخي الأكبر على حصتي من الخرجية البسيطة.
وقف التلاميذ في الإصفاف بكل صمت وبعد أن  انتهت التعليمات والشروحات بمناسبة العام الدراسي الجديد نزل في الربع البعيد عني في الساحة طالبان يبيعان طوابع  قيل أن أثمانها  تبرعات لفلسطين .
خطر ببالي أن أتبرع ولكن الفلوس كانت مع أخي ، تركت الإصطفاف ومشيت الهوينا حتى منتصف الساحة تقريبا ولما لم يخرج الي أخي الذي بقي متسمرا في مكانه .. صرخت عليه  بأعلى صوتي  : تعال نشتري من هذا .

كسرت الصرخة صمت  الصفوف وأدهشت  المعلمين المشرفين على الساحة  فهرع الي أحدهم وهو الأستاذ عبد الرحمن وكان ضخم البنية متوسط العمر مدور الوجه غائر العينين وأصلع بعض الشيء  ومسك  بأذني بقوة  وأرجعني الى مكاني مكررا علي في الطريق إليه  بصوت خافت مع كل فركة إذن .. بابة هذي مدرسة مو عكد.......بابة هذي مدرسة مو عكد**.



**العكد بالعامية العراقية تعني : زقاق، دربونة 

Tuesday, September 12, 2017

الكلب المخابر
















عندما عدت من لندن عام 1974  بقيت في البيت لعدة أيام أستقبل الزوار المهنئين بالعودة أو اللائمين همسا بالأذن عليها  . وحيث أن السفر في ذلك الزمان كان غير معتاد بسبب شحة المال أو صعوبة إستحصال الموافقات عدا زيارات العلاج  ، كانت زيارات  الأقارب والأصدقاء والجيران لي غالبا ما تكون شبه إستجواب عن كل شيء وكان بعضها يقتضي المراوغة مثل صدى إنجازات "القيادة الرشيدة" وتصور السائلين أن العالم لا شاغل له سوى أخبار القيادة ، المناخ ، الحياة الإجتماعية ، حياة الشباب والشابات ...الخ.
كان هناك سؤال  يتكرر من قبل كبار السن في المنطقة  : هل صحيح أن لدى الإنكليز كلاب بوليسية تجوب شوارع لندن وتخابر الشرطة عند وقوع حادثة مرورية أو إجرامية  ؟
 وكنت بالطبع أجيب بالنفي وأخيرا أضطررت أن أسال من أخبركم بذلك ؟
قالوا : الحاج (عليوي ) عندما رافق الحاج كاظم  لإجراء عملية في لندن جلس يحدثنا عن الحياة هناك وأغرب ما حدثنا به هو عن هذه الكلاب .
وأخيرا جاء الحاج عليوي لزيارتي ويبدو أنه لكثرة ماردد القصة صدقها.
حيث قال لي : عندما كنت في لندن شهدت حادثة دهس ورأيت كلبا بوليسيا  يركض الى التلفون العمومي ليتصل بالشرطة والإسعاف الذين حضروا على الفور .
قلت : حجي هل كنت تقضي الوقت  كله في المستشفى  ؟ 
قال : لا 
 قلت: وماذا كنت تفعل خارج المستشفى ؟
قال : تعرف عمي الخرجية قليلة . كنت أقضي كل  الوقت أتشمس في الحديقة العامة القريبة .
قلت : وتفكر بماذا ستحدث أصحابك في القهوة  عند العودة .
شعر الرجل بالحرج  ثم  قال  : والله ياعمي إذا تريد الصحيح آني ما شفت بعيني بس أكو واحد هم كان عنده مريض سولفلياها .
في هذا الزمان التي كثرت فيه الأسفار والفضائيات والتقارير الموثقة والبث الحي ، شغلة الكذب الأسود عيني عينك لا زالت على قدم وساق   ... رحم الله حجي عليوي على الكذبة البيضة  .   


Saturday, September 2, 2017

أنا والحصان والعيد





في حوالي منتصف الخمسينات من القرن الماضي  إشترى لي أبي حصانا أحيل على التقاعد من قبل الريسيس (ما كان يطلق على سباق الخيل بالعامية مأخوذ من كلمة Racing  بالإنكليزية آنذاك ) وكان على مايبدو يحن بشرائه هذا الحصان الأصيل  الذي لا حاجة لنا به الى أيام شبابه عندما كان عنصرا  فيما أطلق عليها بالعامية في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي بـ "قوة السيار " أي القوة السيارة وهي عبارة عن قوة من الخيالة  الشباب المدربة تدريبا عنيفا على القتال بالسيف والبندقية من  على ظهور الخيل و كانت هذه القوة قبل إنتشار إستخدام السيارات في الجيش والشرطة تصول من راوندوزو وحتى الفاو  لتثبيت دعائم الدولة العراقية الحديثة ( الرد السريع في الشرطة الإتحادية في يومنا هذا) .

إستقبلت الحصان الأحمر الذي أزاحه قانون الطبيعة ( البقاء للشباب في حلبة السباق ) نحوي بحب وإحترام بالغ  وأخترت له إسما بالإنكليزية لكونه قد أتى من  الريسيس  فأطلقت عليه (Wise) وايز وتعني العاقل بالعربية . كنت آخذ وايز وواجباتي المدرسية معي الى البستان في البكرلي حيث أنبطح على الأرض لأحضر واجباتي بينما ينصرف وايز الى أكل عشب الله بدلا من العلف المقوى والمحسن الذي إعتاد عليه في صدر شبابه .

ذات سنة ، كنت مع أختي الصغيرة نقيم في قطعة أرض لنا في منطقة جبلة شمال الحلة عندما جاء أبي  إلينا على الحصان من الحلة عبر المزارع والقفار سائرا على وتر مثلث ضلعه الأكبر  طريق حلة بغداد وضلعه الأصغر من تقاطع نهر مشروع المسيب مع الطريق المذكور وصولا الى جبلة  أي بطول 30 ـ 40 كيلومتر .
قال لي أبي قبيل العيد بيوم سآخذ أختك وأرجع الى الحلة لقضاء العيد وتبقى أنت والحصان هنا لغاية عودتنا بعد العيد ولديك من المؤن ما يكفي وأنت صرت زلمة وما أخاف عليك .... ثم ذهب .

إستفقت فجر يوم العيد حيث بدأ الظلام ينجلي شيئا فشيئا وأرسلت الشمس من عرشها خلف السهوب والروابي أشعتها الحمراء مبشرة بصعودها نحو كبد السماء.جلبت لوايز بعض الحشيش ووقفت بجانبه أمسح كتفه وأمرر أصابعي بين شعره الذهبي المسترسل فوق رقبته الحمراء الناعمة الملمس .
تذكرت العيد في الحلة ... دبكات الجوبي في إبن الحسن وعمران إبن على  والمراجيح المعلقة على جذوع النخيل في النبي أيوب .. دشاديش الشكري على أجساد الأولاد والدشاديش الحمراء والصفراء والزرقاء على أجساد الصبايا ...
قلت لوايز : آسف منك ومن أبي أنا لا أستطيع قضاء العيد في هذه البيداء .
ثم خطر ببالي ما ذا لو إعترضني أحد الخيالة  في هذه الأرض الواسعة الخالية من البشر  وأخذ حصاني  وأنا لا زلت صغيرا لا أقوى على صراع الرجال ومظهري بلدي بقميص وبنطلون !!!.
 وبعد تفكير وجدت الحلول  : قبل الوصول الى نهر المحاويل سأقول لمن يعترضني أنا من بيت عمران الزنبور شيخ المنطقة وصاحب قلعة فيها وبعد نهر المحاويل وقبل نهر النيل سأقول أنا من بيت أشكح الفيحان شيخ المعامرة  وبعد النيل وقرب الوردية سأنادي ياسادة (قرية السادة على نهر الوردية ) و ياحمير (بفتح الياء  ـ ِعشيرتي على نهر الوردية  ) .
وإذا لم ينفع ذلك معهم  سأتملص من المعركة وأعتمد على حصاني وايز لعله يعيد أمجاده في سباق الريسيس .

إمتطيت الحصان وباشر وايز بالهذب ( وهو الجري قبل العدو السريع بالعراقي ) وانطوت المسافات على رتابة الهذب ونضارة المروج وسرحان الخيال وعبرت نهر المحاويل بأمان وبعد بساتينها جاءت أرض شبه مقفرة ليظهر فجأة على البعد الفارس المجهول الذي خفت منه في البروفا  يجري بإتجاهي وهو ينادي علي ... لم أشأ منه أن يقترب مني ويعرف أني صغير العمر وأعزل ، فناديته بأعلى صوتي أنا من بيت أشكح الفيحان ولكزت وايز بكلتا رجلي  أن هيا إنطلق فأعطى سيقانه الأربعة للريح وأنحنيت بجسمي الصغير فوقه حيث داعبت  وجهي جدايل شعره الطائرة في الريح  في وهج  الإندفاع .
لا أدري إن أراد الرجل مني شرا أو خيرا ولكني لحظته بعد إنطلاقة وايز بفترة قصيرة متسمرا مع فرسه في مكانه لا يتحرك  ولربما كان يتعوذ الشيطان ويبسمل إن تصورني بصغري وقميصي وبنطلوني وشعري الأسود الكثيف المنفوش من فصيلة الجن ملطوش  على ظهر حصان ضخم في القفراء .  

وصلت البيت وكان المسكين وايز يزخ ويتصبب عرقا .. مسك أبي بلجامه وإندهش سائلا  :  ما ذا فعلت بالحصان ....كيف وصلتم ؟
قلت :  بدأنا سيرا  ثم هذبنا ثم عدونا بسرعة البرق من خوفنا ... إعذرني يا أبي  لم أستطع أن أقضي العيد في القفراء  بدون سماع الزغاريد و الطبل والمطبك .

.........................................................................................................................................................
الصور  : الأولى : على هضبة كولمرج على الطريق الى أعالي جبال الهملايا في كشمير الهندية 1979 .
          الثانية    : في ريف بلغراد قرب مطحنة أثرية في النصف الثاني من التسعينات .
          الثالثة    : في إستراحة على الطريق الى أعالي جبال القوقاز 2017 .


صفقة القرن ة وعظمة القصاب

في أوائل القرن الماضي كان حلاق المحلّة يقوم بأعمال الطبيب إضافة الى وظيفته. ذات يوم أصيبت عين قصاب المحلة بجزيئة فُتات عظمة إستقرت ف...