في
عام 1979 أثناء عملي في الاستيراد في شركة
النفط الوطنية العراقية الملغاة ، تعرضت
الباخرة كريسانثي المحملة بمادة البرايت (أحد أطيان الحفر التي تضخ في الابار
اثناء عملية الحفر لتبريد الحفارات) المشتراة من الهند على اساس سي أند أف لصالح
شركة النفط الوطنية الى عملية قرصنة إذ استولى المالك على السفينة وحمولتها في
ميناء الكويت عندما كانت تتزود بالوقود في طريقها الى البصرة بحجة عدم
تسديد الناقل اجور مشارطة زمنية له معه وهربها من الميناء وغير اتجاهها وأوقفها في
المياه الدولية قرب ميناء كراجي
الباكستاني خارج المياه الاقليمية بقليل .
كقسم
إستيراد فاتحنا الدائرة القانونية في شركة
النفط الوطنية وقلنا ان علينا ان نبدأ بالبحث عن السفينة بمختلف الوسائل لأن
البضاعة في بيوع الـ سي أند أف (
CANDF ) تعتبر مستلمة من قبلنا
اعتبارا من وضعها على ظهر الباخرة في ميناء مدراس الهندي الا أذا أثبتنا سوء نية
المجهز . وكان رأي الدائرة القانونية
قاطعا "بما ان الشراء ( CANDF ) يعني واصل وان المسؤولية تقع على المجهز لأيصالها الى البصرة وعليه تتم متابعة
المجهز وتحميله المسؤولية كاملة ". كان علينا التنفيذ وان اختلفنا مع
الرأي فطالبنا المجهز بايجاد الباخرة
وايصال البضاعه وجاء رده في كل مرة على التلكسات التي بعثناه له بأنه اختار الناقل بحسن نيه وان مسؤوليته انتهت
عند وضع البضاعة على ظهر الباخرة ومرت شهور على هذه الحالة ولم نستطع التحرك رغم ورود تلكسات الينا من جهات تدعي ان البضاعة
بحوزتها وتطلب التفاوض في اليونان.
شاءت
الصدفة ان يعين مدير جديد للدائرة القانونية من خريجي جامعة كمبردج البريطانية
فذهبت اليه وطرحت عليه رأي الدائرة القانونية موضحا اسباب اعتقادي بكونه غير
صحيح فأقر المدير الجديد بخطأ الدائرة
القانونية . عقدنا اجتماع مع مدير شعبة التأمين في الشركة لبحث الموضوع في ضوء رأي
الدائرة القانونية الجديد وحررنا مطالعة بالموقف الى وزير النفط ، وجه الوزير بمقابلته وذهبنا
ثلاثتنا أنا ومدير الدائرة القانونية ومدير شعبة التأمين ، شرحت للوزير موضوع شراء البرايت واساس الشراء
وأوضح مدير القانونية الجانب القانوني وأعرب ثلاثتنا عن رأينا بأن أسترجاع البضاعة
هو من مسؤوليتنا لأن اثبات سوء نية المجهز في اختيار الناقل قضائيا عملية
طويلة والنجاح في الدعوى شبه معدوم وبينا
له أن هناك جهة في أثينا تدعي حيازتها على السفينة وحمولتها فوافق الوزير على
سفرنا الى اثينا .
طلبنا
من القراصنة تحديد الزمان والمكان لنلتقي لبحث موضوع حمولة البرايت وبعد ان حددوا
الزمان والمكان , ذهبنا الى أثينا وأقمنا
في الفندق الذي حدده القراصنة ، اتصلوا
بنا هاتفيا مرتين ولكنهم لم يحضرو لمقابلتنا وبعد ثلاثة ايام من الانتظار ذهبنا
الى السفارة العراقية فقالوا لنا ان هناك الكثير من السفن الحاملة لبضائع
عائدة لدول عربية تم اختطافها على اساس ان
العرب سيدفعون ما يطلبه الخاطفون من فدية للبضاعة خصوصا بعد أن زادت اسعار النفط الى
مستويات عالية بعد حرب 1973 .
وجدنا
رجل أعمال يوناني يراجع السفارة ومن طريقة تعاملهم معه كان واضحا انه معرفة جيدة
بالنسبة لهم استفسر الرجل عن مهمتنا بعد سماعه جانبا مما طرحناه على مسؤولي
السفارة وعرض عاينا المساعدة ، استوضحنا من المسؤولين في السفارة عن رأيهم في قبول
المساعدة فأعربوا عن موافقتهم الاستعانة به . أخذنا الرجل الى مصلحة تسجيل السفن فتبين ان الباخرة وأسمها
كريسانثي مملوكة لشركة قبرصية بنفس الاسم ولدى الشركة مكتب في ميناء بيرايوس جنوب
اليونان .
سافرنا
الى بيرايوس ووجدنا المكتب وكان عبارة عن غرفة واحدة وصالة حيث تجلس السكرتيرة
أدخلتنا السكرتيرة على مديرها وكنا نحمل جميعا حقائب سمسونايت وعندما أعلنا أننا
عراقيون ارتعد الرجل وبدأ يصرخ على السكرتيرة فنبهني صاحبنا اليوناني انه يطالبها
باحضار رجال.
كنا
اربعة شباب آنذاك ويبدوا أن سمعة العراق قد سبقتنا ولا شك ان الرجل تصور ان
الحقائب ستفتح وتظهر الكاتمات لتنفيذ قتله أو اختطافه .
قلت
له اهدأ نحن لم نأت لأذيتك وهذه الحقائب تحتوي على الاوراق فقط وفتحت له حقيبتي
ليطمئن قلبه مضيفا اننا نريد ان نبحث الوسائل لاسترجاع بضاعتنا .
جاء
رجاله وكان واضحا من قاماتهم وأبدانهم انهم رجال قتال وليس أعمال وبعد ان اتفقنا على مكان الاجتماع في احد
الفنادق اتفقت مع مدير القانونية ان يتصل بالسفارة ويعلمهم بمكان
الاجتماع و يبلغهم أننا قد نتعرض الى
الإختطاف أو العراك مع رجال قد يكونون مسلحين بالسلاح الأبيض على الأقل ويطلب منهم
ارسال حماية الى مكان الإجتماع .
قررنا
أيضا أن نتوزع على السيارات بأعداد متكافئة لأعدادهم تحسبا لأية حركات منهم في
الطريق الى مكان الموعد .
جلسنا
الى أحد الطاولات وجلس القرصان ورجاله على نفس الطاولة.
قلت له : ماهؤلاء ؟ .
قال : مستشارون قانونيون
قلت
له : يبقى المحامي الحقيقي منهم ويجلس الاخرون على تلك الطاولة البعيدة .
وبعد
الممناعة والاصرار من قبلنا قام ثلاثة
منهم وجلسوا على طاولة أخرى .
جاء
رجل واحد فقط من السفارة ممشوق القامة ممتلأ
البدن بشوارب كثة سوداء حيث
سلمنا ورقة وهمية فارغة
زعم أنها من السفارة .
أخذته
جانبا وسألته : الإسم بالخير ؟
قال :
فاضل .
قلت :
أخ فاضل اعتمادنا على الله وعليك ترى كلنا دافعين بدل وما خادمين عسكرية. هولاء الثلاثة حصتك إذا صار وما صار .
ابتسم فاضل وبانت نواجذه البيضاء تحت الشوارب قائلا
بصوت واثق منخفض : أبشر أستاذ وذهب وجلس قبالتهم ، وكلما أدرت رأسي خلال
المحادثات لانظر صوبه وجدته باسطا
يديه أمامه على الطاولة محدقا بثلاثتهم
بثبات عجيب .
بدأ
القرصان بحديث غريب ليشرح سبب استيلائهم
على البضاعة قائلا : اذا ضربتك سكينا فهل يدي هي المسؤولة أم أنا ؟ .
قلت
له : اترك السكاكين وقل ماتريد .
قال : 3 مليون دولار نقدا .
قلت : ان
تعليماتنا لا تسمح لنا بدفع فدية سنتا واحدا
. هل تعرف ان البضاعة عبارة عن اطيان
لاقيمة لها .
بعد
أخذ ورد نزل الطلب الى مليونان ثم مليون ونصف كآخر كلام . قلت له في كل مرة أننا لا
نستطيع ان ندفع فدية ولكن قد نستحصل موافقة على المساعدة في تصليح الباخرة إذا
كانت الباخرة عاطلة كما يزعم لتتمكن من الابحار الى البصرة ونفاض الحمولة وانتهى الاجتماع
بدون أية نتيجة .
عدنا
الى بغداد و إجتمعنا بالوزير .
قال
الوزير : هل يمكن الطلب من القوة الجوية
العراقية القيام بقصف الباخرة ؟ .
قلت
له : سيادة الوزير ان المسافة بعيدة جدا
ونحتاج من الدول على الطريق السماح لقاذفاتنا بالتزود
بالوقود من مطاراتها أو مساعدة دولة كبرى بتوفير امكانية الارضاع الجوي.
هز
الوزير رأسه وعض برفق على شفته السفلى ثم نظر الى ثلاثتنا وقال : هل هناك حلول أخرى ؟
قال
مدير القانونية : حسب معلوماتنا أستاذ ان على السفينة الان طاقم مؤلف من 20 شخص
فقط واذا تمكنا بطريقة أو بأخرى اقناع
هؤلاء بترك الباخرة تصبح الباخرة في هذه الحالة مالا متروكا في أعالي البحار
وبامكان اي جهة ان تستولي عليها وترفع علمها عليها و تصبح قانونا ملكها حسب العرف والقانون البحري الدولي
.
أضفت إلى
ما قاله مدير القانونية : ان المعلومات تشير أيضا الى ان الباخرة عاطلة وفي هذه
الحالة نحتاج الى قاطرة أعالي بحار تستطيع قطع المسافة الى هناك وقطر السفينة الى البصرةOcean Going TuG .
قال
الوزير : اتصل بالميناء والوكالات البحرية في البصرة واستفسر هل لديهم مثل هذه
القاطرة .
اتصلت
بالميناء حيث بين المسؤولون أن ليس لديهم مثل هكذا قاطرة لأنهم في واقع الحال
لا يحتاجون مثلها في عملهم .
بعد
شهرين أو ثلاثة اتصلت بنا شركة التأمين الوطنية لتعلمنا ان شخصا انكليزيا متخصصا
في تخليص البواخر المحتجزة في زيارة لهم في العراق وقد يكون من المفيد مقابلته .
جاء
الشخص الى مقر شركة النفط الوطنية العراقية وكنت ومدير القانونية وشعبة التأمين
بانتظاره وكان مظهره ارستقراطيا تقليديا
أعطاه المشيب وقارا اضافيا فبدى بمنتهى الوداعة.
قال
الشخص : ان الباخرة كريسانثى هي الملك الوحيد للشركة القبرصية كريسانثي وعليها دين
ممتاز لبنك ناشينال ويستمنستر في لندن وانه قد عرض على البنك ان يقيم البنك دعوى
على الشركة القبرصية لأستحصال الدين مما سيظطر الشركة الى اعلان افلاسها وعرض السفينة
للبيع وسيشتري هو السفينة بالاتفاق مع البنك ويبيعها تفصيخ في جنوب شرق آسيا ولإتمام
هذا الاتفاق هو بحاجة الى تصليح السفينة والتخلص من البضاعة وأنه على استعداد
لتسليمنا البضاعة اذا ماساعدناه بمبلغ معقول يساهم في تصليح السفينة وجعلها قادرة
على السفر للبصرة . وبعد التأكد من المعلومات استحصلنا الموافقات الاصولية من شركة
النفط الوطنية وشركة التأمين الوطنية على دفع
مبلغ بسيط للمساعدة في ايصال بضاعتنا .
بعد فترة أخرى
أخطرنا الانكليزي الوقور بانه استكمل الاجراءات القانونية وإشترى السفينة وصلحها
وأمرها بالابحار الى البصرة . وصلت السفينة الكويت في طريقها الى البصرة يوم
اندلاع الحرب العراقية الايرانية فطلبت
السفينة الإذن بالتفريغ في الكويت مما اضطرنا ان ننقل الطين الغالي
بالشاحنات الى العراق وأخذ الانكليزي الوقور باخرته الى سوح التفصيخ في جنوب شرق
آسيا.
No comments:
Post a Comment