تعويذة الربابة
تعويذة الربابة
كان لعبود في
العقد الثاني من القرن الماضي بستان نخيل عامرة وبيت ليس ببعيد عن شط الحلة و أربع بقرات كل واحدة
لها اسمها القريب من لونها أو أفعالها ، الحمرة والسودة والعاقلة والوقحة و أربعة
بنات جميلات في بداية شبا بهن.
كانت الحياة خالية
في ذلك الزمان بطبيعة الحال من
الكهرباء وماء الشرب والهاتف والراديو والتلفزيون و خالية تماما من الأمان أيضا
وكان المزارع يكد في البستان نهارا وفي
الليل يقوم حارسا على بيته وحيواناته .
كانت سرقة المواشي من بيوت القرويين مهنة محترمة لدى المجتمعات
القروية يتفاخر بها السراق وتتفاخر بها عوائلهم وكان العرف أن تكون السرقة
من أصحاب البيوت الغافلين أو الخائفين من المواجهة مع السراق وكانت الحيوانات عادة
ما تسترجع من خلال وسطاء شبه معروفين لقاء مبالغ يتفق عليها وبطبيعة الحال كان
لهذا العرف إستثناءات فقد يقتل أحد من
السراق أو من أصحاب الدار في
مواجهات غير محسوبة عند تنفيذ عمليات السطو .
كان عبود قلقا لعدم وجود بيته في قرية قوية بعديد رجالها وقلقا أيضا من الأعشاب العالية والأحراش الكثيفة التي تحيط بالدار
بحكم قربها من النهر ولطالما فكر بإقتناء
بندقية ولو لتخويف السراق فقط .
ذات ليلة وبعد أن أوت البنات الى الفراش وتعشى كلب
العائلة بالمقسوم . أخرج عبود الكلب الى
خارج الدار كما هي العا دة ليتولى أعمال التنبيه عن المخاطر وعاد ليؤي الى فراشه
واضعا سلاحه الوحيد ، فأسه الى جانبه .
إستيقظ عبود على نباح الكلب في الخارج فوجد القمر قد غاب و المنطقة تغرق ببساتينها وأعشابها وشطها في ظلام دامس . حمل
فأسه وتفقد الأبقار واحدة واحدة بالرؤيا الممكنة واللمس ثم ذهب قرب الحائط يحاول التنصت على ما يدور في
الخارج . كانت هناك جلبة وصوت تكسر أعشاب
وإزاحة أغصان عن الطريق تدلل على أن عددا من السراق لربما ثلاثة أو أكثر موجودون خارج الدار .
ثم هدأت الجلبة
وتحول نباح الكلب من نباح مع الحركة الى
نباح مستكين على هدف مستقر فأيقن عبود أن السراق
كمنوا خارج الدار بإنتظار إطلاق أهل الدار طلقات تحذيرية أو صياح تحذيري قبل
الشروع في السطو .
عصفت المخاوف برأس عبود ماذا سيفعل
إذا إقتحم السراق الدار و قتلوه أو سيطروا
عليه؟ هل سيكتفون بسرقة الأبقار وماذا لو
إكتشفوا وجود البنات وكانوا أراذل عديمي الشرف ؟ وهل من الأفضل أن يخرج لهم بقرة بنفسه ويرجوهم الرحيل هل سيستغلون ضعفه ويطمعوا بأكثر .. ؟
ذهب الى مأوى البنات وأوقد عود ثقاب فوجدهن مختبئات تحت
الغطاء يرتجفن خوفا وكانت زوجته جالسة الى جوارهن تطمئنهن أن كلبهم في الخارج ينبح
عل حيوانات برية ترد جرف النهر للماء .
إستجمع عبود قواه وقال لزوجته : آتني بالربابة
قالت زوجته مستغربة : وما أنت فاعل بها ؟
أجاب : لا عليك هاتها .
أخذ عبود الربابة وجلس بين باب الدار وركن الأبقار ثم سحب وتر
الربابة على خيطها فأطلقت صوتها الحزين الشجي يتهادى بين الأدغال والأحراش بعدها أطلق عبود صوته القوي ليصاحب صوت الربابة ويكسر هيبة
الظلمة المريبة المحيطة بالدار .
إستمر عبود يعتب في الليل البهيم فهدأ نباح الكلب وكأنه أكرم السراق بهدنة
ليستمتعوا بالعتابة ...
تكشف الفجر
وبدأت زقزقة العصافير وأصوات اليمام وباقي الطيور المستبشرة بالصباح الجديد فتوقف عبود عن العزف وحمل فأسه وخرج تتبعه زوجته... كانت أثار كمين رجال الليل وآثار تركهم المكان للتو واضحة جلية .
قالت زوجته :
كدت أموت من الخوف على بناتي ، اليوم تأخذ البقرة " وقحة " وتبيعها ولا ترجع الى البيت إلا ومعك بندقية .
إستدار عبود صوبها وابتسم قليلا : وما حاجتي الى البندقية ومعي الربابة !!!!
بابل - الحلة - الربابة - العتابة
No comments:
Post a Comment