كانت ألأخبار الواصلة الى الطلبة العرب في شمال شرق إنكلترا ومركزها
نيوكاسل عن طريق سماع الإذاعات العربية مطمئنة
جدا في مايس والخمسة أيام الأولى من حزيران 1967 . فبعد التحشيد الإسرائيلي على
الحدود السورية طردت مصر قوات الأمم المتحدة ونزل الجيش المصري الى سيناء وشرم
الشيخ وسيطر على مضيق تيران ومنع الملاحة الإسرائيلة في خليج العقبة وكان الإعلام
المصري يتبختر بأفعال الرئيس جمال عبد الناصر وحركة القوات المصرية وكأن تفوق مصر
على إسرائيل محسوما.
كنت من
المتابعين المدمنين على سماع خطابات
الرئيس جمال عبد الناصر ومقالات ب
(صراحة) لصديقه الصحفي المعروف محمد حسنين
هيكل التي تبث من قبل صوت العرب وسمعت
بالأذن ((المجردة )) قبيل الحرب مقالة بـ(صراحة) يقول فيها محمد حسنين هيكل سنعطيهم الضربة الأولى ....
أما إعلام باقي الدول العربية الذي وصل الى البقعة التي كنا فيها من الأرض فيؤكد أن جيوش كل من سوريا والأردن والعراق
قادرة بمفردها على إجتياح إسرائيل .
اما إعلام إسرائيل وأصدقائها فصوروها بالحمل الوديع المسكين المحاط بالذئاب و كانوا يبثون عنتريات القادة العرب وتبجحات القوة العددية والمعداتية وينفخون بها بحيث إقتنع من لا يعرف الحقيقة أن شعب إسرائيل مهدد بالفناء .
اما إعلام إسرائيل وأصدقائها فصوروها بالحمل الوديع المسكين المحاط بالذئاب و كانوا يبثون عنتريات القادة العرب وتبجحات القوة العددية والمعداتية وينفخون بها بحيث إقتنع من لا يعرف الحقيقة أن شعب إسرائيل مهدد بالفناء .
كنت في تلك السنة رئيسا لمنظمة طلابية تحت مسمى جمعية
الطلبة العرب في الشمال الشرقي وقبل يومين أو أكثر من بدأ الحرب تصادف وجودي في مبنى
إتحاد الطلبة العام للجامعة مع وجود فريق
تلفزيوني من قناة Tyne Tees Television يقابل بعض الطلبة العرب واليهود حول إحتمال
نشوب الحرب . كان السؤال الموجه للعرب : هل ترغبون في التطوع للقتال ؟ وكان الجواب
عادة نعم بإنفعال وبعضهم أضاف القضاء على إسرائيل أو تحرير فلسطين . وكان السؤال
الموجه لليهود : ما هو مصير الأطفال
والنساء إذا نشبت الحرب ؟ وكان الجواب: قلق جدا على مصير الأطفال والنساء وبعضم
أضاف ، العرب لا يرحمون والعرب يريدون أن يرموا جميع الإسرائيليين في البحر.
كتبت إحتجاج لمحطة التلفزيون قلت فيه : أنتم متحيزون
لأنكم وجهتم لكل طرف سؤال يأتيكم بالجواب الذي تريدونه ويوحي بالنتيجة للمشاهد بأن
العرب متحمسون للحرب واليهود يهمهم مصير النساء والأطفال .
يوم 5 حزيران 67 إستيقضت على نبأ نشوب الحرب وكنت مطمئنا إلى النتيجة وفرحا بأن فلسطين ستتحرر بعد كل عنتريات جانبنا وأناشيد يابوخالد يا حبيب
بكرة حندخل تل أبيب .. وفوك الخيل فوك الخيل ..
إستمرت إدعاءات الإنتصارات العربية صباح وعصر يوم 5 حزيران .
قبل مساء نفس اليوم إتصل بي Sid. Waddle المحرر في قناة Tyne Tees Television
وقال أنه إطلع على احتجاجي على قناتهم وإنه
يدعوني الى مناظرة مع حاخام مدينة نيوكاسل في برنامجهم Late Look الذي
يذاع على الهواء مباشرة في الساعة العاشرة والنصف من هذه الليلة . قبل الإجابة دار في رأسي على الفور أنه دعاني لأنه يعتقد أنني سأرفض لأن
العرب يرفضون الحديث مع اليهود ودار في رأسي أيضا عذري لو سؤلت من قبل الحكومة وكان قراري حاسما : إن رفض المناظرة مضر بالقضية العربية وعذري للحكومة أن الحاخام مواطن بريطاني ولا ضير
في مناظرته وعليه قلت للمحرر سأحضر .
في حوالي الساعة التاسعة وصلت الى سكني في مدينة نيوكاسل
سيارة القناة التلفزيونية لتأخذني الى المقر . قابلني السيد Waddle وأخذني الى كافيتيريا القناة حيث
دار حديث حول خلفيات القضية الفلسطينية ذكر Waddle لي خلالها أن العرب كما يعتقد الآن لم يستطيعو إيصال قضيتهم
الى الرأي العام البريطاني .
بعد هذه
الإستراحة أخذني المحرر الى غرفة المكياج وعندما أبديت إستغرابي قالت لي المسؤولة
: إنه ليس تجميل وإنما لأغراض فنية تتعلق بوضوح الصورة بعد ذلك ذهبت والمحرر الى
قاعة البث الحي حيث علمنا أن الحاخام إعتذر عن الحضور وعليه تقرر أن تكون المقابلة
شخصية معي وللمدة الكاملة المقررة وهي نصف ساعة .
شعرت بإرتياح كبير وجلست أمام مقدم البرنامج والكاميرا .
بدأت الحلقة بعرض فيلم مقابلة في الشارع مع الجمهور
يسألون الناس فيها :
مارأيكم بالعقيد ناصر ؟ ( وكان هذا ما تطلقه وسائل
الإعلام البريطانية على الرئيس جمال عبد الناصر آنذاك ) .
وكانت الأجوبة تتراوح بين إنه هتلر جديد وديكتاتور يجب
القضاء عليه .
بعدها إتجه مقدم البرنامج الي وسألني : ما رأيك بالعقيد
ناصر .
كنت في قرارة نفسي أعتقد أننا باشرنا حرب تحرير فلسطين بقيادة
الرئيس عبد الناصر فكان جوابي : الرئيس جمال عبد الناصر ليس هتلر جديد كما يعتقد
هؤلاء الناس لأن هتلر إعتدى وإحتل بلاد أخرى . إن الرئيس عبد الناصر يحرر فلسطين العربية ومن واجب كل عربي تحرير فلسطين ...
إستمرت المقابلة على هذا المنوال الى أن جاء أحدهم
بقصاصة ورق دسها في يد مقدم البرنامج وبعد أن إطلع عليها قال لي : وصلنا الآن أن
الملك حسين والعقيد ناصر اتهما الحكومة البريطانية والحكومة الفرنسية بالإشتراك في
الحرب الى جانب إسرائيل فماذا تقول في هذا .
كان الخبر
مفاجئة وكان السؤال محرجا ولكنني سرعان ما إسترجعت في ذهني أحداث حرب السويس عام
1956حيث نفت بريطانيا وفرنسا الإشتراك في
الحرب إلى جانب إسرائيل وبعدها إعترف رئيس الوزراء انتوني إيدن في مذكراته أنهم كانوا شركاء مع
إسرائيل ومدبري تلك الحرب .
قلت لمقدم البرنامج وعلى الهواء مباشرة : لا أعرف إن كان
إدعاء الملك والرئيس صحيحا ولكن ستظهر الحقيقة بعد أن يكتب السادة النبلاء
مذكراتهم .
في اليوم التالي
عندما كنت بإنتظار الباص تقدم مني أحد المواطنين وكان متوسط العمر قائلا : إ
سمحلي سيدي هل أنت من تحدث في التلفزيون
مساء أمس ؟
قلت نعم .
قال : إن ما
ذكرته في جوابك عن السؤال حول إشتراك بريطانيا وفرنسا في الحرب كان في غاية الذكاء
ولا يخطر على بال .
قلت : شكرا وهل كنت مصيبا سيدي فيما قلت ؟
قال : ضحك الرجل ثم صافحني وانصرف .
ومع يوم 6 حزيران بدأت معنوياتنا في هبوط مستمر بعد أن وصلت
صور المعركة الى وسائل الإعلام ومنها خروج
حاكم غزه ويديه على رأسه مستسلما للجنود الإسرائيلين وتعذر قادة مصر بأنهم توقعوا
الهجوم من جهة وجاء من جهة أخرى
وتوالت الأخبار السيئة حتى جاء امر الإنسحاب سيء الصيت
وإحتلال القدس والجولان وإيقاف القتال .
كانت معنويات الطلبة بعد الشحن والتطبيل العربي للحرب عالية علو قمة
إيفيرست في جبال الهملايا يوم 5 حزيران وأصبحت دون نقطة تشالنجر أعمق نقطة في المحيط الهادي في يوم 11 حزيران ونتيجة لذلك أصيب طالب دراسات عليا من أهل
القدس بإنهيار عصبي وحاول الإنتحار. وعليه
دعوت الى إجتماع عاجل للجمعية العربية لمعالجة
تداعيات إحباطنا وكان في بالي شخصيا ضرورة إشغال الشباب بشيء تفاديا لحصول مزيد من
الإنهيارات العصبية كما حدث لزميلنا الفلسطيني الذي كان يكبرنا عمرا. حيث تقرر القيام بحملة لجمع التبرعات على أن
تسلم الى جهة عربية رسمية بشرط توزيعها على الدول المشاركة في الحرب بنسبة تضررها
و فتح سجل للمتطوعين على أمل إستمرار القتال .
باشر الشباب
بجمع التبرعات بينما ذهبت وأعضاء آخرين الى مناطق تواجد العمال العرب في ساوث
شيلدز وسوندرلاند لشد أزرهم وجلهم من البحارة اليمانيين الذين جاؤا مع المراكب عبر
عقود واستوطنوا في هذه المناطق .
كان تجاوبهم رائع للتطوع وسرعان ما سجلوا أنفسهم ومهنهم
التي يعتقدون أنها تؤهلهم للمهمة وتبعنا بعضهم الى نيوكاسل للإستفسار عن موعد
الذهاب مما إ ضطرنا الى إعادة ما أخبرناه لهم بأننا لسنا مكلفين من جهة رسمية أو
أية جهة أخرى و أننا نسجل الأسماء فقط بإنتظار أي طلب من أية حكومة عربية إشتركت
في الحرب وتريد إستئنافها.
اليوم وبعد مرور نصف قرن بالضبط على تلك النكبة أود أن أشكر
الله الذي وهبنا العمر لنرى مابعدها وأقول لشباب العرب لا تتبعوا من يدعي انه يريد الدفاع عن الأمة والدفاع عن الوطن والدفاع عن الدين والدفاع عن المذهب و يريد تحرير
فلسطين فهؤلاء هم من أوصلونا الى الواقع المزري الذي نحن فيه .
الحرب العربية الإسرائيلية 1967 .- حرب الأيام الستة
No comments:
Post a Comment